العنوان

مصطلح الحديث الصحيح واختلاف المحدثين فيه

المقدمة

الحديث الصحيح هو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، وسنده متصل برواة ثقات عدول، ولم يشذ عن غيره من الروايات المعتبرة، ولم يكن فيه علة خفية أو ظاهرة. وهو أعلى درجات الحديث في الصحة والقبول، وأكثرها أهمية في الاستدلال والتشريع. وقد اهتم المحدثون بجمع الأحاديث الصحيحة وتصنيفها وتخريجها وتقييمها، وألفوا في ذلك كتباً ومصنفات عظيمة، من أشهرها الصحيحان للبخاري ومسلم، والأربعة السنن لأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وغيرها من المؤلفات الجليلة. وقد استخدموا في ذلك مصطلحات وضوابط ومعايير علمية دقيقة، تحتاج إلى دراسة وفهم وتحليل. وهذا ما يسمى بعلم الحديث والمصطلح، وهو من أجلّ العلوم الشرعية وأنفعها للمسلمين.

الفصل الأول

مصطلح الحديث الصحيح عند المحدثين

تعريفه

هو ما كان بنقلِ عَدْلٍ تامِّ الضَّبْطِ، مُتَّصِلَ السَّنَدِ، غيرَ مُعَلَّلٍ ولا شاذٍّ (نزهة النظر ص58- تحقيق د. العتر).

قال ابن الصلاح: فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث. وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه، أو لاختلافهم في اشتراط بعض هذه الأوصاف، كما في المرسل. (مقدمة ابن الصلاح ص13).

شروطه المتفق عليها:

خمسة

1- اتصال السند

الذي هو سلسلة الرجال الموصلة للمتن ، بحيث يكون سالماً من السقط بأن يكون كل رجل في الإسناد ـ من أوله إلى آخره ـ قد سمع ممن فوقه. فخرج بهذا القيد المنقطع والمرسل والمدلس والمعلق ونحوها. (جني الثمر بشرح نخبة الفكر ص9، د. عصام السناني)

2- عدالة الراوي

والعدالة : هي ملكة تحمل الإنسان على ملازمة التقوى والبعد عن خوارم المروءة. والمراد بالتقوى : اجتناب الأعمال السيئة من شرك أو فسق أو بدعة. وخوارم المروءة : هي التهاون بأعراف الناس التي تعارفوا عليها مما لايخالف الشرع. فقيد العدالة يخرج ما رواه غير العدل أو من نقصت عدالته كالفاسق والمجهول والمبتدع. (نفسه)

3- ضبط الراوي التام

لما يروي سواء كان يروي من حفظه أو من كتابه ؛ فضبط الحفظ بأن يثبت ما سمعه بحيث يستحضره متى ما شاء دون توهم وكثرة خطأ . وضبط الكتاب هو تصحيحه بعد سماعه له ثم صيانته من أن يدخل عليه ما ليس منه حتى يؤدي منه. وقيد بالتام إشارة إلى الرتبة العليا من الضبط. (نفسه)

4- انتفاء الشذوذ

والشاذ : على المشهور هو ما رواه الثقة مخالفاً لمن هو أوثق منه. ويطلق كذلك على تفرد من لا يحتمل تفرده ، وعليه يحمل إطلاق بعض المتقدمين الشاذ على تفردات. (نفسه)

5- انتفاء العلة

العلة: هي سبب خفي يقدح في صحة الحديث. فإن كانت ظاهرة أو لا تطعن في الحديث فليست هي بالعلة الاصطلاحية ، وإنما على المعنى العام التي يطلقها المحدثون على كل طعن ورد في الحديث.

شروطه المختلف فيها

 

1- شهرة الراوي بالطلب

قال الحافظ ابن حجر: زاد الحاكم في علوم الحديث في شرط الصحيح أن يكون راويه مشهورا بالطلب، وهذه الشهرة قدر زائد على مطلق الشهرة التي تخرجه من الجهالة. واستدل الحاكم على مشروطية الشهرة بالطلب بما أسنده عن عبد الله بن عون قال: "لا يؤخذ العلم إلا ممن شهد له عندنا بالطلب"2. والظاهر من تصرف صاحبي الصحيح اعتبار ذلك.

إلا أنهما حيث يحصل للحديث طرق كثيرة يستغنون بذلك عن اعتبار ذلك - والله أعلم -. (النكت على كتاب ابن الصلاح 1/238)

2- اشتراط العدد في الرواية

قال الحاكم ((وصفة الحديث الصحيح أن يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي زائل عنه اسم الجهالة وهو أن يروي عنه تابعيان عدلان، ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول إلى وقتنا هذا كالشهادة على الشهادة)). معرفة علوم الحديث (ص61).

وله كلام نحوه في كتابه "المدخل إلى الإكليل" في اشتراط العدد في الرواية لكنه قيده باختيار صاحبي الصحيحين وهو  الدرجة الأولى من الصحيح، ثم قال: "والأحاديث المروية بهذه الشريطة لا يبلغ عددها عشرة ألف حديث ". انظر: "شروط الأئمة الخمسة" (ص33) لأبي بكر الحازمي.

وللمزيد يراجع: التقييد والإيضاح للحافظ العراقي (ص20-21)، والنكت لابن حجر 1/239).

3- اشتراط نفي التدليس

من القيود الزائدة على شرط الصحيح عند ابن الصلاح، وقد ذكره الشافعي ضمن شروط راوي الحديث المحتجّ به بقوله: "بريّاً من أن يكون مدلسا، يُحدِث عن من لَقِي ما لم يَسمع منه"، وكذلك الحال بابن حبان حيث ذكر شروط من يحتجّ بخبره فقال: " المتعرَّى خبره عن التدليس"، والذهبي -على الرغم من كون كتابه الموقظة مختصر من كتاب شيخه ابن دقيق العيد- إلا أنه حين اختصر تعريفه للصحيح زاد عليه قيد "عدم التدليس". (المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق ص104).

الفصل الثاني

مصطلح الحديث الصحيح عند الفقهاء والأصوليين

تعريفه

 

1- شروط الاتصال

مفهوم الاتصال لدى غالب الفقهاء هو أن يكون الأداء على وجه تسكن إليه النفس؛ لذلك قبلوا الحديث المرسل، وحديث المدلّس الثقة ولو لم يصرح بالسماع؛ لأن الراوي الثقة عنده من الديانة والورع ما يمنعه من نسبة القول إلى غير قائله. (انظر: الحديث الصحيح ومنهج علماء المسلمين في التصحيح ص189).

2- شروط الراوي

 

أ- عدالة الراوي

يشترك الفقهاء والمحدثون في اشتراط العدالة والإسلام والبلوغ في الراوي عند الأداء، ولكن نظر الفقهاء يميل نحو التساهل في تفسير العدالة المشترطة في الراوي والشاهد، وخاصة الفقهاء من الحنفية، حيث فسروا "العدالة" بإنها: إظهار الإسلام مع سلامة المسلم من فسق ظاهر"؛ ولذلك فهم يقبلون حديث المبتدع ما دام صادقا، وكذا حديث "المستور"، و"مجهول الحال"، و"مجهول العين" للسلامة من الفسق الظاهر. (انظر: نفس المرجع ص186-187)

ب- ضبط الراوي

الي تقتضيه قواعد الفقهاء والأصوليين هو قبول حديث الراوي العدل إذا ترجح ضبطه على خطئه ولو كثر خطؤه، ما دام أنه أقل من صوابه.

واختلف الأصوليون في قبول حديث الراوي إذا استوى ضبطه وخطأه، فقبله جماعة، ورده جمهورهم. (نفس المرجع ص178-188)

3- شروط السلامة من العلة القادحة في المتن

السلامة من العلة القادحة شرط معتبر عند الفقهاء إلا أن مفهوم "العلة" عندهم مغاير لمفهومها عند المحدثين، وقد انفرد بهذه العلل فقهاء المالكية والحنفية في رد خبر الواحد:

فأشهر هذه العلل عند فقهاء المالكية:

1-  مخالفة الحديث الصحيح لعمل أهل المدينة.

2- معارضة الحديث القياس أو قاعدة من قواعد الشرع، عند بعضهم.

ومن أهم هذه العلل عند الحنفية:

1- عمل الراوي بخلاف خبره (أو مخالفة الراوي لمرويه) فالعبرة عندهم برأيه لا بمرويه.

2- أن يكون خبر الآحاد فيما تعم به البلوى.

3- أن يكون خبر الآحاد في الحدود والكفارات.

4- أن يكون الخبر متضمنا زيادة على النص القرآني.

5- أن يعارض الخبر القياس والراوي غير فقيه. (ينظر: المرجع السابق ص190-204).

الخاتمة

إن الحديث الصحيح المتفق على صحته هو الحديث الذي عرفه علماء الحديث وأجمعوا عليه، واشترطوا خمسة شروط منها ما يرجع إلى السن ومنها ما يرجع إلى المتن، ومنها ما يرجع إليهما معا، وما زادوه عن هذه الشروط فهو إما أن يرجع إليها أو لا تأثير له، والعبرة في قبول الحديث ورده هو ما عليه علماء الحديث لأنهم هم أهل الفن والاختصاص، وإذا اختلفوا في تصحيح بعض الأحاديث أو تضعيفها فإنما بسبب وجود تلك الشروط أو انتفائها.. والله أعلم.

المصادر والمراجع

معرفة أنواع علوم الحديث (المشهور بمقدمة ابن الصلاح)، عثمان بن عبد الرحمن، أبوعمرو، تقي الدين المعروف بابن الصلاح (ت ٦٤٣هـ)، تحقيق نور الدين عتر، دار الفكر- سوريا، دار الفكر المعاصر – بيروت، ١٤٠٦هـ - ١٩٨٦م.

المصطلحات الحديثية بين الاتفاق والافتراق، د راوية بنت عبد الله بن علي جابر، رسالة: دكتوراه في قسم الشريعة والدراسات الإسلاميَّة، تخصُّص الكِتَابِ والسُّنَّةِ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الملك عبد العزيز بجدة ـ المملكة العربية السعودية، إشراف: د فاتن بن حسن حلواني، العام الجامعي: 1439 هـ - 2018 م.

نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ)، تحقيق: د. نور الدين عتر، مطبعة الصباح، دمشق،  الطبعة: الثالثة، 1421 هـ - 2000.

التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي (المتوفى: 806هـ)، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: محمد عبد المحسن الكتبي صاحب المكتبة السلفية بالمدينة المنورة،الطبعة: الأولى، 1389هـ/1969م.

الحديث الصحيح ومنهج علماء المسلمين في التصحيح، عبد الكريم إسماعيل صباح، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة: الأولى، 1419هـ - 1998م.

شروط الأئمة الخمسة، أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان الحازمي، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، الطبعة: الأولى، 1405هـ - 1984م.

النكت على كتاب ابن الصلاح، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852هـ)

تحقيق: ربيع بن هادي عمير المدخلي

الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1404هـ/1984م.

 

 

Last modified: Monday, 10 June 2024, 11:01 PM