Rechercher des Cours par mots clés

Rechercher des cours par Filière :

 يتناول هذا المقرر أهم مصطلحات علم الحديث بشكل أعمق وأدق نظريا وتطبيقيا.

ويتم تدريسه في السداسي الأول لطلبة مرحلة الماستر(1) على مدى عشر محاضرات بمعدل ساعة ونصف لكل محاضرة.

يدرس الطالب في هذا المقياس مصطلح الحديث الصحيح، والحسن، والضعيف، والمعلول، والمنكر والشاذ، والغريب والفرد، والمدلس والمرسل الخفي، وغيرها من المصطلحات ذات الصلة بصورة أوسع عمّا درسه في مرحلة الليسانس.

وعلى ضوئه يتوقع من الطالب أن يكون قادرًا على:

أ)- فهم مصطلحات المحدثين الدقيقة، واستيعاب مناهجهم المتنوعة.

ب)- تحرير المسائل المتنازع فيها بين المحدثين.

ج)- معرفة مآخذ ومدارك المحدثين في قبول الحديث وردّه.

الحجب

إذا اجتمع الوارثون من جهات مختلفة وقع بينهم الحجب، فالقوي في جهة التوريث يحجب الضعيف، والحجب إما حجب نقصان أو حجب حرمان، وذلك بحسب درجات الوراثة.

أنواع الحجب

حجب النقصان

الحجب نوعان: حجب نقصان، وحجب حرمان: أما حجب النقصان: فهو حجب الوارث من نصيبه الأعلى إلى نصيبه الأدنى.

وهذا يتصور في من كان ذا فرضين من أصحاب الفروض، وهم خمسة: الزوجان، والأم، وبنت الابن، والأخت لأب.

أما الزوج فله نصيبان بينهما الله جل وعلا في حال وجود الفرع الوارث وعدم وجوده، فقال في الفرض الأعلى عند عدم وجود الفرع الوارث: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ} [النساء:12].

أما عند وجود الفرع الوارث، فلا يأخذ الزوج النصيب الأوفر -النصف- بل يأخذ الأقل -أي: الربع- قال الله: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ} [النساء:12].

إذاً: يقع على الزوج الحجب إن وجد الفرع الوارث.

أيضاً: الزوجة في كتاب الله لها نصيبان: نصيب أعلى ونصيب أدنى، قال الله تعالى مبيناً ذلك: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ} [النساء:12].

فيبقى لها نصيبان أعلى وأدنى، الأعلى هو الربع والأدنى هو الثمن، فتحجب من الربع إلى الثمن بوجود الفرع الوارث.

أيضاً بنت الابن لها نصيبان في كتاب الله أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، نصيب أعلى وهو النصف عند عدم وجود البنت الصلبية، والبنت من الصلب إن عدمت قامت بنت الابن مقامها، قال تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11].

ووجه الدلالة من هذا عموم قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11].

وبنت الابن في منزلة البنت، فتسمى بنتاً، فهذا الدليل من الكتاب.

أما النصيب الأدنى فمن فتوى ابن مسعود وقال: وافقت بذلك رسول الله، بل قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، فيكون هذا دليلاً على أن بنت الابن لها نصيبان النصف كبنت، وهذا لعموم قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11].

ولها السدس مع وجود البنت الصلبية، فترث معها السدس تكملة الثلثين.

أيضاً: الأم لها نصيبان في كتاب الله، فلها الثلث عند وجود الفرع الوارث، والسدس عن عدمه؛ لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء:11].

وكذا تأخذ الأم السدس إن كان للميت إخوة، كما قال تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء:11].

فنزلت بهذين من الثلث إلى السدس.

أيضاً الأخت لأب لها نصيبان أعلى وأدنى، وتحجب حجب نقصان، فالنصيب الأعلى هو النصف، والأدنى هو السدس.

أما الدليل على أن فرضها الأعلى هو النصف فهو قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء:176].

أما السدس فتحجب إليه إذا كانت مع الأخت الشقيقة فتأخذ السدس تكملة الثلثين؛ لأن الأخت الشقيقة لها النصف والأخت لأب لها السدس تكملة الثلثين.

إذاً: فحجب النقصان هو أن تعطي الوارث أقل النصيبين لا أوفر الحظين؛ لأن له نصيباً مفروضاً في كتاب الله أعلى وأدنى، فيأخذ الأدنى.

حجب الحرمان

النوع الثاني من الحجب: حجب الحرمان: وهو منع الوارث من كل الميراث لوجود من هو أولى منه بالميراث، كمنع الجد من الميراث بالأب، فالجد لا يأخذ شيئاً لوجود الأب.

والقاعدة: أن من أدلى بوارث لا يرث وهو موجود.

وأيضاً: كحجب الإخوة من الميراث بوجود الابن.

الورثة الذين لا يدخل عليهم حجب الحرمان

الوارثون بالنسبة للحجب فريقان: الأول: فريق لا يلحقهم حجب الحرمان أبداً، ويمكن أن يحجبوا حجب نقصان لا حرمان، وهم الزوجان، فالزوج والزوجة يحجبان من الأعلى إلى الأدنى، لكن لا يحجبان حجب حرمان أبداً، بل لا بد لهما من نصيب.

وكذا الأبوان لا يمكن أن يلحقهما حجب حرمان، كذا الابنان الصلبيان، وهما الابن والبنت، فلا يمكن أن يحجبا حجب حرمان بحال من الأحوال.

الفريق الثاني: من يلحقهم حجب بالنقصان وحجب بالحرمان، وهذا في حق كل من كان له إرث من غير هؤلاء الذين ذكرناهم، أي من غير الزوجين والأبوين والابنين.

قواعد هامة في الحجب

عند ترتيب الورثة في الميراث نجد أن كل وارث يحجب من أدلى به، والأصل الوارث يحجب من فوقه إذا كان من جنسه، والفرع الوارث الذكر يحجب من تحته من غير قيد.

ضوابط الحجب في الأصول والفروع والحواشي

وقد عرفنا سابقاً أن الحجب قسمان: حجب نقصان وحجب حرمان.

أما حجب النقصان: فيعني: أن ينقص نصيب أحد الورثة من الميراث، نتيجة وجود وارث آخر، أي: نتيجة وجود مانع قام به.

مثل الأم عندما تحجب من الثلث إلى السدس عند وجود الولد أو الجمع من الإخوة.

وأما حجب الحرمان: فهو أن تتوافر الشروط في الوارث ويمنع من الميراث، أي: يكون له فرض ويمنع منه.

وهذا هو الفرق بين حجب النقصان وحجب الحرمان، أي: أنه في حجب النقصان يمنع الوارث من الفرض الآخر إلى الأقل، أما في حجب الحرمان فيحرم الوارث من الفرض كله.

بما أن الفرضيين يقولون: لا يجوز لأحد أن يفتي أو يجيب في الفرائض حتى يتعلم هذا الباب.

وهناك قواعد في الحجب لا بد لكل طالب علم أن يتعلمها.

فنقول: تقدم أن قلنا: إن الإرث يكون للأصول أو للفروع أو للحواشي، وذلك أن الميت غالباً له أصول وفروع وحواش، فالقواعد تلتئم مع هذا كالتالي:

حجب الأصل من فوقه

أما في الأصول: فالأب يحجب كل من علاه من جنسه.

وقولنا: (من جنسه) هذا قيد يخرج به ما لم يكن من جنسه.

يعني: الأب يحجب الجد وجد الجد وجد جد الجد، وهكذا.

فإذا وجد الأب مع الجد يمنع الجد من الإرث بسبب الأب.

فهذا إذا كانت الجهة واحدة، وهي جهة الأبوة، فالجد مع الأب لا يرث، بل يحجب.

أما إذا اختلفت الجهة فكان الأصل في غير جنسه، كالجدة، أي: هي من غير جنس الأب، فلا حجب، فالأب لا يجوز له حجب الجدات.

إذاً: فكل وارث من الأصول يحجب من فوقه إن كان من جنسه، فالأم تحجب الجدة من الناحيتين، فتحجب الجدة وجدة الجدة وجدة جدة الجدة، وهكذا، فإذاًَ: هذا في الأصول.

حجب الفرع من تحته

أما الفروع: فكل ذكر وارث من الفروع يحجب من تحته، سواء أكان من جنسه أم لا، وهذا هو الفارق بين البنوة والأبوة.

وهذا يبين لك قوة البنوة على الأبوة؛ لأنه في الأبوة يحجب الأب من كان من جنسه فقط، أما في البنوة فيحجب الابن من كان في جنسه ومن ليس في جنسه.

مثلاً: مات عن أم وابن وابن ابن وابن ابن ابن ابن، وبنت ابن، وبنت بنت ابن، التوريث يكون كالتالي: الأم لها السدس؛ لوجود الفرع الوارث.

والابن له الباقي تعصيباً.

وابن الابن ليس له شيء، فقد حجبه الابن.

وبنت الابن حجبها الابن كذلك.

فإن قالوا: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11]، نقول: لا يصح هذا الأمر هنا، بل الصحيح أن الفرع الوارث يحجب من تحته سواء أكان من جنسه أم ليس من جنسه.

ما يحجب الحواشي

أما الحواشي: فكل ذكر من الأصول أو الفروع يحجبهم ذكراناً كانوا أم إناثاً.

فكل ذكر من الأصول أو الفروع يحجب من كان من الحواشي ذكراناً وإناثاً.

مثلاً: هلك هالك عن أخوات شقيقات وأخوات لأب، وإخوة أشقاء، وأب، وابن، فيكون توريثهم كالتالي: الأم لها السدس؛ لوجود جمع من الإخوة.

ولو كان الإخوة هنا محجوبين بالفرع الوارث، فهل للأم الثلث أم السدس؟ اختلف العلماء على قولين: الجماهير على أن لها السدس، وهناك من يرى أن لها الثلث.

وهذا هو الضابط للتفصيل في هذه المسألة، وهذه أول مسألة نطرقها في الفروع.

المسألة الثانية في الحواشي، وهي: الإخوة الذين يرثون بالتعصيب يحجبون من دونهم في الجهة أو القوة، ونحن قلنا: الترتيب الصحيح في القرابة: بنوة، أبوة، أخوة، عمومة، فنقدم بالجهة ثم بالدرجة ثم بالقوة.

فإذا اتحدت الجهة قدمنا بالقرب، فنقدم الأخ على ابن الأخ، فإذا اتحدت الجهة والقرب قدمنا بالقوة.

أما القوة: فتتضح بصورة أخ شقيق وأخ لأب، فالأخ الشقيق يحجب الأخ لأب، لأنه أقوى منه.

عندنا قاعدة عامة في باب الحجب، وهي: كل من أدلى بوارث فلا يرث مع وجوده، بمعنى: أن الوارث إذا أدلى بوارث فسقط يقوم مقامه.

مثلاً: إذا مات الأب قام الجد مقامه، وهكذا، فإذاً: نطبق القاعدة هنا، فعندنا أصول وفروع وحواش، فعلى القاعدة في الأصول: أن كل أب يحجب من فوقه بغير شرط.

وكذا في الحواشي، فالمعصب يحجب من دونه، فمثلاً: لو مات إنسان عن بنت وأخت شقيقة وأخت لأب.

فالتوريث كالآتي: البنت لها النصف، والأخت الشقيقة لها النصف أيضاً، وتحجب الأخت لأب، حجبت بالقاعدة المتقدمة، فالمعصب يحجب من دونه.

الاستثناء من قاعدة من أدلى بوارث لا يرث بوجوده

وهناك استثناء للقاعدة، أعني: قاعدة: كل وارث يدلي بوارث فلا يرث مع وجوده، والاستثناء في الصورة التالية: مات عن أم وإخوة وأخوات لأم: فالأم لها السدس، والإخوة لأم لهم الثلث بالتساوي.

فالإخوة لأم كيف ورثوا، وقد أدلوا للميت بوارث وهي الأم؟ نقول: هذا استثناء للقاعدة؛ لأن القاعدة العامة: كل من أدلى بوارث فلا يرث مع وجوده، وتطبيقات هذه القاعدة كثيرة، منها: مات ابن وترك أباً وجداً، فالجد يدلي للميت بوارث وهو الأب، فيُحجب الجد بالأب.

ومنها: مات عن ابن وابن ابن، فيحجب ابن الابن بالابن، وهكذا.

ومن استثناءات القاعدة: الإخوة والأخوات لأم، فيرثون مع وجود الأم، ولا يحجبون من التوريث كما تقدم.

وكذلك لو مات عن أخت شقيقة وأخت لأب، فالأخت الشقيقة لها النصف، والأخت لأب لها السدس، تكملة الثلثين، فالأخت الشقيقة تحجب الأخت لأب حجب نقصان، لكن إذا كانت الشقيقات أكثر من واحدة يحجبنها حجب حرمان؛ لأن السدس إنما هو تكملة الثلثين، والشقيقات قد أخذنه.

ولو مات عن بنتين وبنت ابن وابن ابن، فالبنتان لهما الثلثان، والبقية يأخذون الباقي تعصيباً.

وبنت الابن لو كانت وحدها لم ترث، لكنها ورثت تعصيباً مع الابن المبارك، فيكون الباقي تعصيباً بينهما كما قال الله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:11].

المسألة الثانية: إنسان مات عن بنتين وابن ابن وبنت ابن ابن أنزل منه.

فللبنتين الثلثان.

وابن الابن هنا سيحجب بنت الابن، ويأخذ الباقي على القاعدة، أي: أن كل فرع وارث يحجب من دونه من غير قيد.

 

بيان العصبة.

العصبة نوعان:

النوع الأول: عصبة النسب وهم خمسة.

أولاً: الأبناء وأبناؤهم الموجود منهم والحمل والمفقود الذي لم يثبت موته حقيقة ولا حكما قبل موت مورثه فيقدر له إرثه.

قَالَ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء: 11]

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -:أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ). رواه البخاري  ومسلم

ولمسلم  «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».

ثانياً: الأباء وآباؤهم إذا انعدم الأبناء وأبناؤهم.

قَالَ تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 176]

و قَالَ تَعَالَى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ} [النساء: 12]

وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -:أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ). رواه البخاري  ومسلم  ... ولمسلم  «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».

ثالثاَ: الإخوة لأبوين أو لأب المولود منهم والحمل والمفقود الذي لم يثبت موته حقيقة ولا حكما قبل موت مورثه يقدر له إرثه وأبناؤهم الذكور إذا انعدم الأبناء والآباء.

قَالَ تَعَالَى: {وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176]

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -:أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ).رواه البخاري  ومسلم

ولمسلم «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».

وعن علي - رضي الله عنه - قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أعيان بني الأم ليتوارثون دون بني العلات) رواه بن ماجة  وحسنه  

رابعاً: الأخت الشقيقة إذا انعدم الأخوة الأشقاء سواء كانت موجودة أو حملاً أو مفقودة لم يثبت موتها حقيقة ولا حكما قبل موت مورثها مع البنات سواء كن موجودات أو كن حملاَ أو مفقودات.

عَنْ الإسْوَدِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَضَى فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - النِّصْفُ لِلْابْنَةِ وَالنِّصْفُ لِلْأُخْتِ) رواه البخاري

والأخت لأب تنزل منزلة الأخت الشقيقة إذا انعدمت.

عَنْ هُزَيْلٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - رضي الله عنه - لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - للْابْنَةِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ) رواه البخاري

فإن وجد الإخوة مع الأخوات فللذكر مثل حظ الأنثيين. .

قَالَ تَعَالَى: {وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176]

خامساً: الأعمام وأبناؤهم إذا انعدم الآباء والأبناء و الأخوة لأبوين أو لأب وأبناؤهم دون الإخوة لأم لأنهم لا يحجبون الأعمام ولا أبنائهم فهم يرثون بالفرض والأعمام بالتعصيب.

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -:أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ). رواه البخاري ومسلم

ولمسلم  «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدٍ بِابْنَتَيْنِ لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ بِنْتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدِ اسْتَفَاءَ عَمُّهُمَا مَالَهُمَا وَمِيرَاثَهُمَا كُلَّهُ فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالاً إِلاَّ أَخَذَهُ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - لِعَمِّهِمَا «أَعْطِهِمَا الثُّلُثَيْنِ وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بَقِىَ فَلَكَ».رواه أبو داود  وحسنه الألباني

النوع الثاني: عصبة بالولاء إذا لم يوجد عصبة بالنسب.

فإذا مات المعتق وليس له عصبة بالنسب ورثه من أعتقه تعصيباً بالولاء ذكراً كان أو أنثى.

عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -:أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: َإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) رواه البخاري  ومسلم

الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى:

الفروض المقدرة في كتاب الله تعالى ستة, وهي:

النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس.

1- النصف: وقد ذكره الله تعالى في كتابه العزيز في ثلاثة مواضع:

أولا: قال تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} وهي البنت, وذلك بعد قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ... }.

ثانيا: قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ}.

ثالثا: قال تعالى: {قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا}.

وأجمعوا على أن هذه الآية نزلت في الإخوة للأبوين والإخوة من الأب دون الإخوة من الأم.

2- الربع: وقد ذكره الله تعالى في موضعين:

1- قال تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ}.

2- قال تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ}.

3- الثمن: وقد ذكره الله تعالى مرة واحدة:

1- قال تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} واحدة كانت الزوجة أو أكثر، فهو نصيبها عند الانفراد، ونصيبهن بالسوية عند تعددهن، ولا تفضيل لواحدة على الأخرى.

4- الثلثان: وقد ذكره الله تعالى في موضعين:

قال تعالى في حق البنات:

1- {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}.

وكذا الحال في الأخوات لأبوين:

2- {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ}.

5- الثلث: وقد ذكره الله تعالى في موضعين:

فقال تعالى:

1- {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}.

2- وكذا الحال في الإخوة لأم؛ فقال تعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}.

ولا تفضيل لمذكرهم على مؤنثهم؛ لأن التفضيل للذكر على الأنثى إنما هو لمعنى العصوبة فيه, ولا عصوبة هنا.

6- السدس: وقد ذكره الله تعالى في ثلاثة مواضع:

1- قال تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}.

2- وقال تعالى في حق الأخ لأم: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}.

3- وقال تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} أي: إن كان للمتوفى.

أصحاب الفروض:

أصحاب الفروض: هم كل من كان له سهم مقدر ثابت بالكتاب, أو بالسنة, أو بالإجماع.

والفروض المقدرة كما بينا أعلاه ستة, وأصحاب الفروض الثابت ميراثهم في القرآن الكريم هم:

1- الزوجان.

2- الأبوان.

3- البنون.

4- البنات.

5- الإخوة والأخوات.

والثابت بالسنة:

1- ميراث بنت الابن.

2- الأخوات لأب وأم، أو لأب مع البنت الصلبية.

3- ميراث الجدة.

والثابت بالإجماع:

1- اعتبار الجد كالأب.

2- ابن الابن كالابن.

3- الجدة كالأم.

4- بنت الابن كالبنت الصلبية.

5- الأخ لأب كالشقيق.

6- الأخت لأب كالأخت الشقيقة.

عدد أصحاب الفروض من الرجال والنساء:

إن مجموع من يرث بالفرض اثنا عشر نفرا؛ أربعة من الرجال، وثمانية من النساء.

من يرث بالفرض من الرجال:

أربعة, وهم: الزوج، والأب، والجد الصحيح أبو الأب، والأخ لأم.

من يرث بالفرض من النساء:

ثمانية, وهن: الزوجة، والأم, والبنت، وبنت الابن، والجدة الصحيحة، والأخت الشقيقة، والأخت لأب، والأخت لأم.

الوارثون من الرجال:

أجمع علماء الشريعة الإسلامية على توريث خمسة عشر رجلا, وهم:

1- الابن.

2- ابن الابن، وإن نزل بشرط ألا يكون بينه وبين الميت أنثى.

3- الأب.

4- الجد أبو الأب، وإن علا بشرط ألا يكون بينه وبين الميت أنثى.

5- الأخ الشقيق.

6- ابن الأخ الشقيق, وإن نزل بشرط ألا يكون بينه وبين الميت أنثى.

7- الأخ لأب.

8- ابن الأخ لأب, وإن نزل بشرط ألا يكون بينه وبين الميت أنثى.

9- الأخ لأم.

10- العم الشقيق.

11- ابن العم الشقيق, وإن نزل بشرط ألا يكون بينه وبين الميت أنثى.

12- العم لأب.

13- ابن العم لأب, وإن نزل بشرط ألا يكون بينه وبين الميت أنثى.

14- الزوج.

15- المولى المعتق.

ولو تدبرت في هؤلاء الوارثين وجدت:

أ- من يرث من الرجال بسبب الزوجية: وجدت واحدا منهم يرث بسبب الزوجية, وهو الزوج.

ب- من يرث بسبب الولاء: وواحدا يرث بسبب الولاء, وهو المولى المعتق.

جـ- من يرث بسبب القرابة: وثلاثة عشر يرثون بسبب القرابة, وهم من عدا ذينك.

ولو تدبرت وتأملت فيمن يرثون بسبب القرابة, وجدتهم على أربعة أنواع:

الفرع الأول: أصول الميت، وهما اثنان: الأب، والجد أبو الأب وإن علا.

الفرع الثاني: فروع الميت، وهما اثنان أيضا: الابن، وابن الابن وإن نزل.

الفرع الثالث: فروع لأبوي الميت وهم خمسة: الأخ الشقيق، وابنه وإن نزل, والأخ لأب، وابنه وإن نزل، والأخ لأم.

الفرع الرابع: فروع لجد الميت أبي أبيه, وهم أربعة:

العم الشقيق، وابنه وإن نزل، والعم لأب، وابنه وإن نزل.

الوارثات من النساء:

الوارثات من النساء بطريق البسط عشر: البنت، وبنت الابن، والأم، والجدة من قبلها، والجدة من قبل الأب، والأخت الشقيقة، والأخت للأب، والأخت للأم، والزوجة، والمعتقة.

وإن تأملت في هؤلاء النسوة, وجدت أن واحدة منهن ترث بسبب الزوجية وهي الزوجة، وواحدة ترث بسبب الولاء وهي المولاة المعتقة، وثماني نسوة يرثن بسبب القرابة.

أنواع هؤلاء الوارثين والوارثات:

ينقسم هؤلاء الوارثون والوارثات إلى أربعة أقسام:

أ- منهم من يرث بالفرض لا غير.

ب- ومنهم من يرث بالعصوبة لا غير.

ج- ومنهم من يرث في بعض الأحيان بالفرض, وفي البعض الآخر بالعصوبة.

وهذا القسم الأخير ينقسم إلى نوعين؛ لأن منه من تكون له حالة ثالثة يجمع فيها بين الإرث بالفرض والإرث بالعصوبة, ومنه من لا تكون له هذه الحالة.

الفرع الأول: الذي يرث بالفرض, وليست له حالة يرث فيها بالعصوبة أصلا، فهو سبعة: اثنان من الرجال وهما: الزوج، والأخ لأم, وخمس من النساء وهن: الزوجة، والأم، والأخت لأم، والجدة أم الأم وإن علت بشرطها، والجدة أم الأب وإن علت بشرطها.

الفرع الثاني: وهو الذي يرث بالعصوبة, وليست له حالة يرث فيها أصلا, فهو اثنا عشر وارثا، منهم أحد عشر رجلا وهم: الابن، وابن الابن وإن نزل، والأخ الشقيق، وابن الأخ الشقيق، والأخ لأب، وابن الأخ لأب، والعم الشقيق، وابن العم الشقيق وإن نزل، والعم لأب، وابن العم لأب وإن نزل، والمولى المعتق, وامرأة وهي المولاة المعتقة.

الفرع الثالث: وهو الذي يرث أحيانا بالفرض ويرث أحيانا بالعصوبة، وتكون له حالة ثالثة يجمع فيها بين الإرث بالفرض والإرث بالعصوبة، فاثنان من الرجال وهما: الأب، والجد.

الفرع الرابع: وهو الذي يرث أحيانا بالفرض، ويرث أحيانا بالعصوبة, وليست له حالة ثالثة يجمع فيها بين الإرث بالفرض والإرث بالعصوبة، فأربع من النساء وهن: البنت واحدة كانت أو أكثر، وبنت الابن واحدة كانت أو أكثر، والأخت الشقيقة واحدة كانت أو أكثر، والأخت لأب واحدة كانت أو أكثر

ما يتعلق بمال الميت من الحقوق:

أجمع فقهاء الحنفية والشافعية والمالكية على أنه يتعلق بما يخلفه الميت من الميراث خمسة حقوق بعضها مقدَّم على بعض, بحيث لو استغرق أولها أو ما بعده كل ما خلفه لم ينتقل عنه إلى غيره:

1- كل حق عليه لغيره إذا كان هذا الحق متعلقا بعين من أعيان المال, ولذلك أمثلة كثيرة منها: الأعيان المرهونة من ماله، فإن حق المرتهن فيها مقدم على كل شيء.

ومنها المبيع الذي اشتراه, ولم يقبضه ولم يؤد ثمنه, فإن حق البائع في هذا المبيع مقدم على كل ما سواه، ومنها الأعيان التي أجرها وقبض أجرتها في حياته ومات قبل انتهاء مدة إجارتها, فإن المستأجر أحق بهذه الأعيان حتى يستوفي ما أعطى من الأجرة, وإنما كانت هذه مقدمة على كل شيء حتى تجهيزه وتكفينه؛ لأنها متعلقة بعين المال من قبل أن يصير تركة.

2- تجهيزه وتكفينه وما يحتاج إليه في دفنه بالقدر المعروف من غير تقتير ولا إسراف ولا تبذير؛ لأن التكفين لباس الميت بعد وفاته فيعتبر بلباسه حال حياته, وهو أقوى من الدين ومقدم على جميع الحقوق سوى حق تعلق بعين من أعيان التركة كما هو مبين أعلاه. وقد اختلف العلماء في المقياس الذي يعرف به الإسراف والتقتير، فمنهم من قال: يعتبر بعدد ما يكفن فيه من الثياب، فتكفين الرجل في أكثر من ثلاثة أثواب إسراف وفي أقل من الثلاثة تقتير، وتكفين المرأة في أكثر من خمسة أثواب إسراف وفي أقل من الخمسة تقتير.

3- قضاء جميع ديونه, فيقدم ديون الصحة ثم ديون المرض الثابتة بإقرار المريض مرض الموت.

أما إذا كان الدين لله تعالى -جل ثناؤه- كالزكاة والكفارات ونحوها فإنها تسقط بالموت, ولا يلزم الورثة أداؤها؛ لأن حق الله تعالى مبني على المسامحة, وإذا أوصى في حال حياته وجب تنفيذها من ثلث ماله.

وإنما قدم قضاء ديونه على تنفيذ وصاياه مع أن الوصية مذكورة قبل الدين في آية المواريث, وهي قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}  وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ابدءوا بما بدأ الله به"

لسببين:

الأول: أنه قد ورد النص على تقديم الدين على الوصية في حديث مروي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدأ بالدين قبل الوصية

والثاني: أن الدين فرض يجبر المدين عليه، ويحبس من أجله، والوصية تبرع ولا شك أن التطوع متأخر في رتبته عن الفرض.

4- تنفيذ وصاياه التي استوفت شروطها الشرعية من ثلث ماله, وعلى شرط أن تكون لغير وارث لما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا تجوز وصية الوارث إلا أن يشاء الورثة" .

أما إذا كانت إلى وارث؛ توقفت على إجازة الوارثين, وكذلك إذا كانت بأكثر من الثلث. والوصية عقد مندوب إليه مرغوب فيه, ليس بفرض ولا واجب عند جمهور العلماء, فهي من التبرعات المضافة إلى ما بعد الموت. والوصية مأخوذة من وصيّت الشيء إذا وصلته؛ لأن الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه, ووصى وأوصى بمعنى واحد. وإنها شرعت لمصالح العباد بحديث:

"إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم, فضعوه حيث شئتم -وفي رواية- حيث أحببتم".

والمشروع لنا لا يكون فرضا ولا واجبا علينا, بل هو مندوب إليه مرغوب فيه، والوصية من العقود المتوقفة على الإيجاب والقبول فلا تتم إلا بقبول الموصى له صراحة أو دلالة، والقبول والرد إنما يكون بعد موت الموصي، ولا عبرة للقبول والرد قبل موته، فالقبول صراحة هو أن يقبلها الموصى له بعد موت الموصي. وأما القبول دلالة فهو أن يموت الموصي مصرا على وصيته ثم يموت الموصى له قبل القبول أو الرد فيكون موته قبولا للوصية وينتقل المال الموصى به ميراثا لورثة الموصى له.

ولا ينبغي أن يوصي بأكثر من الثلث، والأفضل لمن له ذرية وأولاد صغار التقليل في الوصية، فقد روي عن الصديق والفاروق والمرتضى -رضي الله عنهم: "لأن يوصى بالخمس أحب إلينا من أن يوصى بالربع, ولأن يوصى بالربع أحب إلينا من أن يوصى بالثلث". ولما روي في الصحيحين أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- قال: "جاءني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعودني في عام حجة الوداع من وجع اشتد بي, فقلت: يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة, أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لا" قلت: فالشطر؟ قال: "لا" قلت: فالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير, إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس"

5- تقسيم تركته وهي ما يبقى من المال بعد ذلك كله بين ورثته على النظام والترتيب اللذين جاء شرحهما وتفصيلهما في الشرع.

 

 

 

1/ تعريف الإرث.

الإرث: لغة. هو ما يبقى من الأشياء.

عَنِ ابْنِ مِرْبَعٍ الْأَنْصَارِي - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ بِعَرَفَةَ (كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ هَذِهِ فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ إِبْرَاهِيمَ) رواه أحمد وغيره وصححه الألباني

والإرث: شرعاً. هو كل ما يتركه الميت بعده قليلاً كان أ وكثيراً.

قَالَ تَعَالَى: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} [النساء: 7]

 

2/ أركان الإرث.

للإرث ثلاثة أركان.

الركن الأول: موتُ المورِّثِ، أو الحكم بموته كالمفقود أو تقدير موته كالجنين.

قَالَ تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176]

ففي قوله: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} دليل على موت المورث.

الركن الثاني: حياة الوارث عند موت المورث، أو الحكم بحياته كالمفقود أو تقدير حياته كالجنين. فإن مات قبله فلا يرث منه.

قَالَ تَعَالَى: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} [النساء: 7]

واللام في قوله:  لِّلرِّجَالِ و قوله:  وَلِلنِّسَاء  للملك و الميت لايملك.

الركن الثالث: أن يكون الميت قد ترك شيئاً بعده. فإن لم يترك شيئاً فلا إرث.

قَالَ تَعَالَى: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} [النساء: 7] الشاهد مما ترك

 

3/ شروط الإرث.

للإرث ثلاثة شروط:

الشرط الأول: ثبوت موت المورث أو إلحاقه بالأموات حكما كالمفقود أو تقديرا كالجنين، إذا سقط ميتا بسبب الجناية على أمه

قَالَ تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176]

فعلق الإرث بهلاك المورث

الشرط الثاني: تحقق حياة الوارث حين موت المورث، أو إلحاقه بالأحياء حكما كالمفقود، والحمل.

قَالَ تَعَالَى: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} [النساء: 7]

واللام في للرجال وللنساء للملك والميت لايملك

 

الشرط الثالث: العلم بسبب التوارث، من قرابة، أو نكاح، أو ولاء.

عَنِ بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ وَاحِدٌ فِى الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِى النَّارِ فَأَمَّا الَّذِى فِى الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِى الْحُكْمِ فَهُوَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِى النَّارِ».رواه أبو داود  حديث صحيح لغيره.

 

4/ أنواع الإرث.

الإرث نوعان جمعها الرحبي رحمه الله في قوله.

الإرثُ نوعانِ هما ... فرضٌ وتعصيبٌ على ماقسما

فالإرثُ في نصِّ الكتابِ سته ... لافرضَ في الإرثِّ سواها البته

نصفٌ وربعٌ ثم نصفُ الربعِ ... والسدسُ والثلثُ بنصِّ الشرع

والثلثانِ وهما التمامُ ... فاحفظْ فكلُّ حافظٍ إمامُ

 

النوع الأول: إرث بالفرض.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -:أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ). رواه البخاري  ومسلم

وأهل الفرائض هم الذين بين الله نصيبهم بالقرآن.

النوع الثاني: إرث بعصبة النسب.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ». رواه مسلم

النوع الثالث: إرث بعصبة الولاء إذا عدمت عصبة النسب.

عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب) رواه بن حبان  والحاكم  وصححه وصححه الألباني

وعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -:أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: َإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) رواه البخاري  ومسلم

النوع الرابع: إرث بالرد إذا لم يكن فيه عصبة بالنسب ولا بالولاء.

فيرد الباقي بعد الفروض إن لم يكن فيه عصبة على أصحاب الفروض على قدر فروضهم بسبب القرابة ولا يرد على الزوجين لعدم القرابة.

قَالَ تَعَالَى: {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً} [النساء: 7]

النوع الخامس: إرث بالرحم إن لم يكن فيه عاصب بالنسب ولابالولاء ولا صاحب فرض يرد له المال غير الزوجين.

قَالَ تَعَالَى: {وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً} [الأحزاب: 6]

و عَنِ الْمِقْدَامِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ يَفُكُّ عَانِيَهُ وَيَرِثُ مَالَهُ». رواه أبو داود  وصححه الألباني

وعن عمر بن الخطاب و عائشة رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (الخال وارث من لا وارث له) رواه الترمذي  وحسنه الألباني

النوع السادس: إرث بالولاية العامة على المسلمين وتسمى ببيت المال إذا انعدم الإرث بالعصبة والرد والرحم.

عَنْ الْمِقْدَامِ - رضي الله عنه - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ «أَنَا وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ أَفُكُّ عَانِيَهُ وَأَرِثُ مَالَهُ». رواه أبو داود  وصححه الألباني

و عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (الله ورسوله مولى من لا مولى له) رواه الترمذي  وحسنه الألباني

 

5/ أسباب الإرث.

الأسباب التي يرث بها الحي من الميت ثلاثة.

جمعها الرحبي رحمه الله في قوله:

أسباب ميراث الورى ثلاثه ... كل يفيد ربه الوراثه

وهي ... وهي نكاح وولاء ونسب

مابعدهن للمواريث سبب

 

السبب الأول: الزواج.

فعقد الزواج الصحيح على المسلمة  الحرة  يتوارث به الزوجان وإن لم يحصل جماع ولا خلوة.

قَالَ تَعَالَى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12]

و ٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -:فِى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ عَنْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا الصَّدَاقَ فَقَالَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلاً وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا الْمِيرَاثُ. فَقَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَضَى بِهِ فِى بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ. رواه أبو داود  وصححه الألباني

السبب الثاني: النسب بجهاته الأربع.

الجهة الأولى: الأبوة؛ وهم الآباء وآباؤهم والأمهات وأمهاتهن.

قَالَ تَعَالَى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً} [النساء: 11]

الجهة الثانية: البنوة؛ وهم الأبناء وأبناؤهم. قَالَ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11]

و قَالَ تَعَالَى: {آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً} [النساء: 11]

الجهة الثالثة: الأخوة؛ وهم الإخوان وأبناؤهم.

كإخوة الميت من أبويه أومن أبيه فقط. قَالَ تَعَالَى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النساء: 176]

أو إخوة الميت من أمه. قَالَ تَعَالَى: {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء: 12]

الجهة الرابعة: الأعمام وأبناؤهم.

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنه -:أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ). رواه البخاري  ومسلم

ولمسلم  «اقْسِمُوا الْمَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».

وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بِابْنَتَيْنِ لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ بِنْتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ مَعَكَ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدِ اسْتَفَاءَ عَمُّهُمَا مَالَهُمَا وَمِيرَاثَهُمَا كُلَّهُ فَلَمْ يَدَعْ لَهُمَا مَالاً إِلاَّ أَخَذَهُ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم - لِعَمِّهِمَا «أَعْطِهِمَا الثُّلُثَيْنِ وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ وَمَا بَقِىَ فَلَكَ».رواه أبو داود  وحسنه الألباني

 

السبب الثالث: الولاء.

عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب) رواه بن حبان  والحاكم  وصححه وصححه الألباني

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ).رواه البخاري  ومسلم

فالمعتق ذكراً كان أوأنثى يرث من عبده المعتق تعصيباً إذا لم يكن له وارث من النسب أو وجد وارث من النسب ممنوع من الإرث بأحد موانع الإرث الثلاثة.

عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها -:أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: َإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) رواه البخاري  ومسلم

فالولاء يرث به المسلم عبده المسلم الذي أعتقه لا الكافر لاختلاف الدين.

عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب) رواه بن حبان  والحاكم  وصححه وصححه الألباني

فإذا كان الولاء كلحمة النسب والمسلم لا يرث الكافر مع ثبوت النسب فكذلك المسلم لا يرث الكافر مع ثبوت الولاء.

عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْزِلُ فِى دَارِكَ بِمَكَّةَ فَقَالَ «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ». وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلاَ عَلِىٌّ شَيْئًا لأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ. رواه البخاري  ومسلم

 

6/ موانع الإرث.

يمنع الوارث من أخذ إرثه الثابت له ثلاثة موانع بها يصبح وجوده كعدمه.

جمعها الرحبي رحمه الله في قوله:

ويمنعُ الشخصَ مِنَ الميراثِ ... واحدةٌ مِنَ عِلَلٍ ثَلاًثِ

رقٌ وقتلٌ واختلافُ دينِ ... فافهمْ فَلَيْسَ الشكُ كَالْيَقينِ

 

المانع الأول: الرق.

فالرقيق بجميع أنواعه  لا يرث من زوجه ولا من قرابته لأنه لا يملك إذ هو مملوك لسيده.

ولا يرثه زوجه ولا قرابته لأنه وماله لسيده فلا مال له ولا يحجب أحداً عن الميراث فوجوده كعدمه.

المانع الثاني: القتل.

عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم - «لَيْسَ لِلْقَاتِلِ شَىْءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَوَارِثُهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْهِ وَلاَ يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا».رواه أبو داود  وصححه الألباني

فالقاتل عمداً أو خطأً: لا يرث من زوجه إذا قتله ولا من قريبه إذا قتله ولا ممن أعتق إذا قتله فوجوده كعدمه.

 

المانع الثالث: اختلاف الدين.

فالحي المسلم: لا يرث شيئاً من مال الكافر لا بالزوجية ولا بالنسب ولا بالولاء فوجوده كعدمه.

والحي الكافر: لا يرث شيئاً من مال المسلم لا بالنسب ولا بالولاء فوجوده كعدمه.

عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رضي الله عنه -:أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) رواه البخاري ومسلم

وكذلك: أهل ملتين لا يتوارثون بالزوجية ولا بالقرابة ولا بالنسب

لا اختلاف دينهما كاليهودية والنصرانية.

وكذا: سائر الملل المختلفة لا يتوارثون بالزوجية ولا بالقرابة ولا بالنسب لا اختلاف الدين.

و يتوارث أهل الملة الواحدة بالزوجية والقرابة والنسب

للإتفاق في الدين.

عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - «لاَ يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى». رواه أبو داود  وصححه الألباني

فائدة: معرفة حكم التوارث بين الملل يفيد لو تحاكم إلى مسلم أهل ملتين فيحكم بينهما بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو يتركهما.

قَالَ تَعَالَى: {فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42]

مباحث الوصية

1/تعريفها ودليليها

-الوصية تطلق في اللغة على معان، يقال إلى فلان بمال جعلته له وأوصيته بولده استعطفته عليه، وأوصيته بالصلاة أمرته بها. ويقال وصيت الشيء بالشيء إذا وصلته به وصلته به كأن الموصي لما أوصى بالمال وصل ما بعد الموت بما قبله في نفوذ التصرف.

والاسم الوصاية، بكسر الواو وقد تفتح.

وأما معناها في اصطلاح الفقهاء ففيه تفصيل المذاهب 

وأما دليل مشروعيتها فالكتاب والسنة.

أما الكتاب فقوله: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية}

وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: "وما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده"

ومعنى الحديثليس من الحزم والرأي السديد أن يمر على الإنسان زمن يملك فيه مالاً يوصي به ولا يكتب وصيته فليس المراد خصوص الليلتين بل الحث على المبادرة بكتابة الوصية.

2/ أركان الوصية وشروطها

-أركانهاموصٍ، وموصى له، وموصى به، وصيغة. وأما شروطها ففيها شروط المذاهب 

3/ حكم الوصية

-حكم الوصية بالنسبة للوصي يختلف الأحوال.

فتارة تكون الوصية واجبة، وتارة تكون مندوبة، وتارة تكون محرمة وفي ذلك تفصيل المذاهب

4/ بعض المسائل المختلف فيها في أحكام الوصية

/الوصية بالحج والقراءة ونحوهما وبما يعمل في المآتم وغير ذلك

الوصية بالحج والقرآة على القبور وغيرهما، والوصية بالبهاليل (العتاقةونحوها، والوصية بما اعتاد الناس عمله في المآتم من أكل وشرب وغيرهما، والوصية بالدفن في مكان خاص وبناء القبر ذلك اختلاف المذاهب

الحنفية - قالوا: الوصية بقراءة القرآن على القبور أو المنازل باطلة فإذا أوصى بجزء من ماله للقراءة على قبره لا تنفذ وصيته أما الوصية بالعبادات فإنها مستحبة كما عرفت فيستحب لمن عليه حج أن يوصي به وبعضهم يرى وجوب ذلك فإذا أوصى بأن عنه حجة الفريضة فإذا كانت يكفي للإنفاق على رجل يسافر من بلده راكباً وجب عنه من بلده يبدأ السفر منها.
أما إذا كان المال لا يكفي فينفق على من يحج عنه من الجهة التي يكفي منها المال

المالكية - قالوا: الوصية لمن يقرأ على قبره تنفذ كالوصية بالحج عنه سواء عين الشخص الموصى له أو لم يعين. أما الوصية لمن يصلي عنه أو يصرم عنه فإنها باطلة، ومثل ذلك ما إذا أوصى بما فيه ضياع للأموال بدون جدوى كالوصية بقنديل من فضة يعلقه على قبر ولي نبي أو بمقصورة أو ثوب يوضع على المقصورة أو نحو ذلك مما لم بأمر الشارع به وللورثة أن يفعلوا به ما شاؤوا.

الشافعية - قالوا: تصح الوصية بقراءة القرآن لأن ثواب القراءة يصل إلى الميت إذا وجد واحد من ثلاثة أمور: ان يقرأ قبره فإن لم يكن فليدع له عقب القراءة. فإذا لم يفعل فلينو حصول الثواب له فإذا وجد واحد من هذه الأمور فإن الثواب يصل إلى الميت.

الحنابلة - قالوا: تصح الوصية بكتابة العلم والقرآن قربة نافعة وتصح الوصية للمسجد على أن تصرف في مصالحه.
وإذا أوصى بالحج عنه فإن لم يعين المبلغ الذي يحج به دفع إلى من يحج عنه قدر نفقة المثل فقط فإن ضاع المال في الطريق لا يضمنه الحاج وكذا إذا مرض أو منع من الحج.

/ الوصية لقوم مخصوصين كالجيران أو نحو ذلك فإنه يصح، ولكن بيان الجيران فيه تفصيل في المذاهب

الحنفية - قالوا: إذا أوصيت لجيراني بكذا فإن الوصية تكون لجيرانه الملاصقين له فكل دار ملزمة به من يمين أو شمال أو خلف فالوصية تعطى لأهلها من سكانها بالسوية بينهم سواء كانوا مسلمين أو ذميين نساء أو رجالاً، قربت الأبواب أو بعدت ما داموا ملازقين للدار، على أن من كان يملك داراً وليس فيها لا يأخذ من الوصية شيئاً، وذلك رأي الإمام، اما صاحباه فيقولان: الجار يشمل أهل المحلة جميعاً، وهم الذين يضمهم مسجد وتحد وجماعة واحدة ودعوة واحدة لأن العرف يطلق الجار على هذا.

المالكية - قالوا: إذا أوصيت لجيراني بكذا شملت الوصية جيرانه الملاصيقين له من أي جهة من الجهات (خلف وأمام ويمين وعلو وأسفل) وكذلك الجيران المقاتلين له إذا كان بينهما شارع صغير.
أما إذا كان بينهما سوق كبير أو نهر فإنهما لا يكونا جيراناً في الوصية وتدخل الزوجة مع زوجها في الاستحقاق في الوصية. أما زوجة الموصي نفسه إذا كان بها مانع من الإرث فإنها لا تدخل في الجار إذا كانت بجوار الموصي لأنها تسمى جارة عرفاً ولا يدخل الخادم مع سيده إلا إذا كان للخادم بيت خاص مجاور للموصي فإنه يدخل في الوصية حينئذ

لشافعية - قالوا: إذا اوصى لجيرانه بشيء شملت الوصية أربعين داراً من كل جانب من جوانب داره الأربعة فتكون مائة وستين داراً في الغالب فإذا لم يقبل بعض الجيران يعود نصيبه على الباقين منهم، وتنقسم الوصية على عدد الدور بحيث تأخذ أقل ما يمكن من المال فذاك وإلا فتعطى الدار على عدد السكان فإذا وسعت الوصية عدد الدور بحيث تأخذ أقل ما يمكن من المال فذاك وإلا فتعطى الدار الأقرب فالأقرب. وهل المراد الجار المالك أو الجار الساكن؟ قولان. والعبرة بالجوار حال الموت فإذا مات الموصي والجار ساكن أو مالك استحق الوصية ولو تغير الحال بعد الموت بأن انتفع أو باع فلا

الحنابلة - قالوا: إذا أوصى لجيرانه فإن الوصية تشمل أربعين داراً من كل جانب ويقسم المال الموصى به على عدد الدور ثم تقسم حصة كل جار على سكانها. وإذا قال: أوصين لجار المسجد شملت الوصية من يسمع الأذان.
وإذا قال: أوصيت لأهل سكني (بكسر السين) استحق الوصية أهل زقاقه، والزقاق الدرب، والجمع أزقة، وإذا قال: أوصيت لأهلي خطي (بكسر الخاء) والمعروف ضمها استحق الوصية أهل دربه وما قاربه من الشارع الذي يكون به طبقاً للعرف.

مقرر منهجية البحث في تخريج الحديث النبوي لطلاب السنة الأولى ماستر الحديث وعلومه

الأمر

تعريفه:

الأمر: قول يتضمن طلب الفعل على وجه الاستعلاء، مثل: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة.

فخرج بقولنا: «قول»؛ الإشارة فلا تسمى أمراً، وإن أفادت معناه.

وخرج بقولنا: «طلب الفعل»؛ النهي لأنه طلب ترك، والمراد بالفعل الإيجاد، فيشمل القول المأمور به.

وخرج بقولنا: «على وجه الاستعلاء»؛ الالتماس، والدعاء وغيرهما مما يستفاد من صيغة الأمر بالقرائن.

 

صيغ الأمر:

صيغ الأمر أربع:

1 - فعل الأمر، مثل: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} [العنكبوت: من الآية 45]

2 - اسم فعل الأمر، مثل: حيّ على الصلاة.

3 - المصدر النائب عن فعل الأمر، مثل: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَاب} [محمد: من الآية 4]

4 - المضارع المقرون بلام الأمر، مثل: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [المجادلة: من الآية 4]

وقد يستفاد طلب الفعل من غير صيغة الأمر، مثل أن يوصف بأنه فرض، أو واجب، أو مندوب، أو طاعة، أو يمدح فاعله، أو يذم تاركه، أو يرتب على فعله ثواب، أو على تركه عقاب (1).

 

ما تقتضيه صيغة الأمر:

صيغة الأمر عند الإطلاق تقتضي: وجوب المأمور به، والمبادرة بفعله فوراً.

فمن الأدلة على أنها تقتضي الوجوب قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: من الآية 63]، وجه الدلالة أن الله حذر المخالفين عن أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن تصيبهم فتنة، وهي الزيغ، أو يصيبهم عذاب أليم، والتحذير بمثل ذلك لا يكون إلا على ترك واجب؛ فدل على أن أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم المطلق يقتضي وجوب فعل المأمور.

ومن الأدلة على أنه للفور قوله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: (148)، والمائدة: 48] والمأمورات الشرعية خير، والأمر بالاستباق إليها دليل على وجوب المبادرة.

ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم كره تأخير الناس ما أمرهم به من النحر والحلق يوم الحديبية، حتى دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس (1).

ولأن المبادرة بالفعل أحوط وأبرأ، والتأخير له آفات، ويقتضي تراكم الواجبات حتى يعجز عنها.

وقد يخرج الأمر عن الوجوب والفورية لدليل يقتضي ذلك، فيخرج عن الوجوب إلى معان منها:

1 - الندب؛ كقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282] فالأمر بالإشهاد على التبايع للندب بدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم اشترى فرساً من أعرابي ولم يشهد (2).

2- الإباحة؛ وأكثر ما يقع ذلك إذا ورد بعد الحظر، أو جواباً لما يتوهم أنه محظور.

مثاله بعد الحظر: قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] فالأمر بالاصطياد للإباحة لوقوعه بعد الحظر المستفاد من قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1]

ومثاله جواباً لما يتوهم أنه محظور؛ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «افعل ولا حرج» (1)، في جواب من سألوه في حجة الوداع عن تقديم أفعال الحج التي تفعل يوم العيد بعضها على بعض.

3 - التهديد كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت: من الآية 40]، {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارا} [الكهف: من الآية 29] فذكر الوعيد بعد الأمر المذكور دليل على أنه للتهديد.

ويخرج الأمر عن الفورية إلى التراخي.

مثاله: قضاء رمضان فإنه مأمور به لكن دلَّ الدليل على أنه للتراخي، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يكون عليّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، وذلك لمكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (2)

ولو كان التأخير محرماً ما أقِرّت عليه عائشة رضي الله عنها.

 

ما لا يتم المأمور إلا به:

إذا توقف فعل المأمور به على شيء كان ذلك الشيء مأموراً به، فإن كان المأمور به واجباً كان ذلك الشيء واجباً، وإن كان المأمور به مندوباً كان ذلك الشيء مندوباً.

مثال الواجب: ستر العورة فإذا توقف على شراء ثوب كان ذلك الشراء واجباً.

ومثال المندوب: التطيب للجمعة، فإذا توقف على شراء طيب كان ذلك الشراء مندوباً.

وهذه القاعدة في ضمن قاعدة أعم منها وهي: الوسائل لها أحكام المقاصد، فوسائل المأمورات مأمور بها، ووسائل المنهيات منهي عنها.

النَّهْي

 

تعريفه:

النهي: قول يتضمن طلب الكف على وجه الاستعلاء بصيغة مخصوصة هي المضارع المقرون بلا الناهية، مثل قوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [الأنعام: من الآية 150].

فخرج بقولنا: «قول»؛ الإشارة، فلا تسمى نهياً وإن أفادت معناه.

وخرج بقولنا: «طلب الكف»؛ الأمر، لأنه طلب فعل.

وخرج بقولنا: «على وجه الاستعلاء»؛ الالتماس والدعاء وغيرهما مما يستفاد من النهي بالقرائن.

وخرج بقولنا: «بصيغة مخصوصة هي المضارع إلخ»؛ ما دل على طلب الكف بصيغة الأمر مثل: دع، اترك، كف، ونحوها؛ فإن هذه وإن تضمنت طلب الكف لكنها بصيغة الأمر فتكون أمراً لا نهياً.

وقد يستفاد طلب الكف بغير صيغة النهي، مثل: أن يوصف الفعل بالتحريم أو الحظر أو القبح، أو يذم فاعله، أو يرتب على فعله عقاب، أو نحو ذلك (1).

ما تقتضيه صيغة النهي:

صيغة النهي عند الإطلاق تقتضي تحريم المنهي عنه وفساده.

فمن الأدلة على أنها تقتضي التحريم قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: من الآية 7] فالأمر بالانتهاء عما نهى عنه، يقتضي وجوب الانتهاء، ومِنْ لَازِمِ ذلك تحريم الفعل.

ومن الأدلة على أنه يقتضي الفساد قوله صلّى الله عليه وسلّم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (1)؛ أي: مردود، وما نهى عنه؛ فليس عليه أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم، فيكون مردوداً.

هذا وقاعدة المذهب في المنهي عنه هل يكون باطلاً أو صحيحاً مع التحريم؟ كما يلي:

1 - أن يكون النهي عائداً إلى ذات المنهي عنه، أو شرطه فيكون باطلاً.

2 - أن يكون النهي عائداً إلى أمر خارج لا يتعلق بذات المنهي عنه ولا شرطه، فلا يكون باطلاً.

مثال العائد إلى ذات المنهي عنه في العبادة: النهي عن صوم يوم العيدين.

ومثال العائد إلى ذاته في المعاملة: النهي عن البيع بعد نداء الجمعة الثاني ممن تلزمه الجمعة.

ومثال العائد إلى شرطه في العبادة: النهي عن لبس الرجل ثوب الحرير، فستر العورة شرط لصحة الصلاة، فإذا سترها بثوب منهي عنه، لم تصح الصلاة لعود النهي إلى شرطها.

ومثال العائد إلى شرطه في المعاملة: النهي عن بيع الحمل، فالعلم بالمبيع شرط لصحة البيع، فإذا باع الحمل لم يصح البيع لعود النهي إلى شرطه.

ومثال النهي العائد إلى أمر خارج في العبادة: النهي عن لبس الرجل عمامة الحرير، فلو صلى وعليه عمامة حرير، لم تبطل صلاته؛ لأن النهي لا يعود إلى ذات الصلاة ولا شرطها.

ومثال العائد إلى أمر خارج في المعاملة: النهي عن الغش، فلو باع شيئاً مع الغش لم يبطل البيع؛ لأن النهي لا يعود إلى ذات البيع ولا شرطه.

وقد يخرج النهي عن التحريم إلى معانٍ أخرى لدليل يقتضي ذلك، فمنها:

1 - الكراهة: ومثلوا لذلك بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يمسنَّ أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول» (1)، فقد قال الجمهور: إن النهي هنا للكراهة، لأن الذكر بضعة من الإنسان، والحكمة من النهي تنزيه اليمين.

2 - الإرشاد: مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ: «لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» (1).

من يدخل في الخطاب بالأمر والنهي:

الذي يدخل في الخطاب بالأمر والنهي «هو» المكلف، وهو البالغ العاقل.

فخرج بقولنا: «البالغ»؛ الصغير، فلا يكلف بالأمر والنهي تكليفاً مساوياً لتكليف البالغ، ولكنه يؤمر بالعبادات بعد التمييز تمريناً له على الطاعة، ويمنع من المعاصي؛ ليعتاد الكف عنها.

وخرج بقولنا: «العاقل»؛ المجنون فلا يكلف بالأمر والنهي، ولكنه يمنع مما يكون فيه تعد على غيره أو إفساد، ولو فعل المأمور به لم يصح منه الفعل لعدم قصد الامتثال منه.

ولا يرد على هذا إيجاب الزكاة والحقوق المالية في مال الصغير والمجنون، لأن إيجاب هذه مربوط بأسباب معينة متى وجدت ثبت الحكم فهي منظور فيها إلى السبب لا إلى الفاعل!.

 

والتكليف بالأمر والنهي شامل للمسلمين والكفار لكن الكافر لا يصح منه فعل المأمور به حال كفره؛ لقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِه} [التوبة: من الآية 54]. ولا يؤمر بقضائه إذا أسلم؛ لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [لأنفال: من الآية 38] وقوله صلّى الله عليه وسلّم لعمرو بن العاص: «أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله» (1)، وإنما يعاقب على تركه إذا مات على الكفر؛ لقوله تعالى عن جواب المجرمين إذا سئلوا: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر:42] {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:43] {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر:44] {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:45] {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر:46] {حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر:47]

 

موانع التكليف:

للتكليف موانع منها: الجهل والنسيان والإكراه؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» (2). رواه ابن ماجه والبيهقي، وله شواهد من الكتاب والسنة تدل على صحته.

فالجهل: عدم العلم، فمتى فعل المكلف محرماً جاهلاً بتحريمه فلا شيء عليه، كمن تكلم في الصلاة جاهلاً بتحريم الكلام، ومتى ترك واجباً جاهلاً بوجوبه لم يلزمه قضاؤه إذا كان قد فات وقته، بدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر المسيء في صلاته - وكان لا يطمئن فيها - لم يأمره بقضاء ما فات من الصلوات، وإنما أمره بفعل الصلاة الحاضرة على الوجه المشروع.

والنسيان: ذهول القلب عن شيء معلوم، فمتى فعل محرماً ناسياً فلا شيء عليه؛ كمن أكل في الصيام ناسياً. ومتى ترك واجباً ناسياً فلا شيء عليه حال نسيانه؛ ولكن عليه فعله إذا ذكره؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها» (1).

والإكراه: إلزام الشخص بما لا يريد، فمن أكره على شيء محرم فلا شيء عليه؛ كمن أكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ومن أكره على ترك واجب فلا شيء عليه حال الإكراه، وعليه قضاؤه إذا زال؛ كمن أكره على ترك الصلاة حتى خرج وقتها، فإنه يلزمه قضاؤها إذا زال الإكراه.

وتلك الموانع إنما هي في حق الله؛ لأنه مبني على العفو والرحمة، أما في حقوق المخلوقين فلا تمنع من ضمان ما يجب ضمانه، إذا لم يرض صاحب الحق بسقوطه، والله أعلم.

 

 

 

 

 

المُطلَق والمقَيَد

تعريف المطلق:

المطلق لغة: ضد المقيد.

واصطلاحاً: ما دل على الحقيقة بلا قيد؛ كقوله تعالى: {تحرير رقبة من قبل أن يتماسا} [المجادلة 3]

فخرج بقولنا: «ما دل على الحقيقة»؛ العام لأنه يدل على العموم لا على مطلق الحقيقة فقط.

وخرج بقولنا: «بلا قيد»؛ المقيد.

 

تعريف المقيد:

المقيد لغة: ما جعل فيه قيد من بعير ونحوه.

واصطلاحاً: ما دل على الحقيقة بقيد؛ كقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: من الآية 92]

فخرج بقولنا: «قيد»؛ المطلق.

العمل بالمطلق:

يجب العمل بالمطلق على إطلاقه إلا بدليل يدل على تقييده؛ لأن العمل بنصوص الكتاب والسنة واجب على ما تقتضيه دلالتها حتى يقوم دليل على خلاف ذلك.

وإذا ورد نص مطلق، ونص مقيد وجب تقييد المطلق به إن كان الحكم واحداً، وإلا عمل بكل واحد على ما ورد عليه من إطلاق أو تقييد.

مثال ما كان الحكم فيهما واحداً: قوله تعالى في كفارة الظهار: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة 3] وقوله في كفارة القتل: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: من الآية 92] الحكم واحد هو تحرير الرقبة، فيجب تقييد المطلق في كفارة الظهار بالمقيد في كفارة القتل، ويشترط الإيمان في الرقبة في كل منهما.

ومثال ما ليس الحكم فيهما واحداً: قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: من الآية 38] وقوله في آية الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِق} [المائدة: من الآية 6] فالحكم مختلف، ففي الأولى قطع وفي الثانية غسل؛ فلا تقيد الأولى بالثانية، بل تبقى على إطلاقها ويكون القطْع من الكوعِ مفصلِ الكف، والغسل إلى المرافق.

 

المحاضرة الرابعة

العام والخاص

العام

تعريفه:

العام لغة: الشامل.

واصطلاحاً: اللفظ المستغرق لجميع أفراده بلا حصر، مثل: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار:13]

فخرج بقولنا: «المستغرق لجميع أفراده»؛ ما لا يتناول إلا واحداً كالعَلَم والنكرة في سياق الإثبات؛ كقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] لأنها لا تتناول جميع الأفراد على وجه الشمول، وإنما تتناول واحداً غير معيَّن.

وخرج بقولنا: «بلا حصر»؛ ما يتناول جميع أفراده مع الحصر كأسماء العدد: مئة وألف ونحوهما.

صيغ العموم:

صيغ العموم سبع:

1 - ما دل على العموم بمادته مثل: كل، وجميع، وكافة، وقاطبة، وعامة؛ كقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]

2 - أسماء الشرط؛ كقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِه} [الجاثية: من الآية 15] {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: من الآية 115]

- أسماء الاستفهام؛ كقوله تعالى: {فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: من الآية 30] {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: من الآية 65] {فأين تذهبون} [التكوير: 26].

4 - الأسماء الموصولة؛ كقوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر:33].

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: من الآية 69]. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [النازعات:26]. {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض} [آل عمران: من الآية 129].

5 - النكرة في سياق النفي أو النهي أو الشرط أو الاستفهام الإنكاري؛ كقوله تعالى: {وما من اله الا الله} [آل عمران: 62] {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} [النساء: من الآية 36]. {إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [الأحزاب:54] {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ} [القصص: من الآية 71]

6 - المعرّف بالإضافة مفرداً كان أم مجموعاً؛ كقوله تعالى: {وأذكروا نعمة الله عليكم} [أعراف: 74]

7 - المعرف بأل الاستغراقية مفرداً كان أم مجموعاً؛ كقوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً} [النساء: من الآية 28]. {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِم} [النور: من الآية 59].

وأما المعرف بأل العهدية، فإنه بحسب المعهود فإن كان عامًّا فالمعرَّف عام، وإن كان خاصًّا فالمعرَّف خاص، مثال العام قوله تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ} [صّ:71] {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [صّ:72] {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [صّ:73]

ومثال الخاص قوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} [المزمل: من الآية 15] {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} [المزمل:16]

وأما المعرف «بأل» التي لبيان الجنس؛ فلا يعم الأفراد، فإذا قلت: الرجل خير من المرأة، أو الرجال خير من النساء، فليس المراد أن كل فرد من الرجال خير من كل فرد من النساء، وإنما المراد أن هذا الجنس خير من هذا الجنس، وإن كان قد يوجد من أفراد النساء من هو خير من بعض الرجال.

 

العمل بالعام:

يجب العمل بعموم اللفظ العام حتى يثبت تخصيصه؛ لأن العمل بنصوص الكتاب والسنة واجب على ما تقتضيه دلالتها، حتى يقوم دليل على خلاف ذلك.

وإذا ورد العام على سبب خاص وجب العمل بعمومه؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إلا أن يدل دليل على تخصيص العام بما يشبه حال السبب الذي ورد من أجله فيختص بما يشبهها.

مثال ما لا دليل على تخصيصه: آيات الظهار؛ فإن سبب نزولها ظهار أوس بن الصامت، والحكم عام فيه وفي غيره.

ومثال ما دل الدليل على تخصيصه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس من البر الصيام في السفر» (1)، فإن سببه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظُلِّل عليه فقال: «ما هذا»؟ قالوا: صائم. فقال: «ليس من البر الصيام في السفر»، فهذا العموم خاص بمن يشبه حال هذا الرجل؛ وهو من يشق عليه الصيام في السفر، والدليل على تخصيصه بذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يصوم في السفر (1) حيث كان لا يشق عليه، ولا يفعل صلّى الله عليه وسلّم ما ليس ببر.

الخاص

الخاص لغة: ضد العام.

واصطلاحاً: اللفظ الدال على محصور بشخص أو عدد، كأسماء الأعلام والإشارة والعدد.

فخرج بقولنا: «على محصور» العام.

 

والتخصيص لغة: ضد التعميم.

واصطلاحاً: إخراج بعض أفراد العام.

 

والمخصِّص - بكسر الصاد -: فاعل التخصيص وهو الشارع، ويطلق على الدليل الذي حصل به التخصيص.

ودليل التخصيص نوعان: متصل ومنفصل.

فالمتصل: ما لا يستقل بنفسه.

والمنفصل: ما يستقل بنفسه.

 

فمن المخصص المتصل:

أولاً: الاستثناء وهو لغة: من الثني، وهو رد بعض الشيء إلى بعضه؛ كثني الحبل.

واصطلاحاً: إخراج بعض أفراد العام بإلا أو إحدى أخواتها، كقوله تعالى: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3]

فخرج بقولنا: «بإلا أو إحدى أخواتها»؛ التخصيص بالشرط وغيره.

 

شروط الاستثناء:

يشترط لصحة الاستثناء شروط منها:

1 - اتصاله بالمستثنى منه حقيقة أو حكماً.

فالمتصل حقيقة: المباشر للمستثنى منه بحيث لا يفصل بينهما فاصل. والمتصل حكماً: ما فصل بينه وبين المستثنى منه فاصل لا يمكن دفعه كالسعال والعطاس.

فإن فصل بينهما فاصل يمكن دفعه، يمكن دفعه أو سكوت لم يصح الاستثناء مثل أن يقول:

عبيدي أحرار، ثم يسكت، أو يتكلم بكلام آخر ثم يقول: إلا سعيداً؛ فلا يصح الاستثناء ويعتق الجميع.

وقيل: يصح الاستثناء مع السكوت، أو الفاصل إذا كان الكلام واحداً لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرمهُ الله يوم خلق السموات والأرض، لا يعضد شوكه ولا يختلى خلاه»، فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذّخر فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال: «إلا الإذخر» (1). وهذا القول أرجح لدلالة هذا الحديث عليه.

2 - أن لا يكون المستثنى أكثر من نصف المستثنى منه، فلو قال: له عليّ عشرة دراهم إلا ستة لم يصح الاستثناء ولزمته العشرة كلها.

وقيل: لا يشترط ذلك، فيصح الاستثناء، وإن كان المستثنى أكثر من النصف فلا يلزمه في المثال المذكور إلا أربعة.

أما إن استثنى الكل، فلا يصح على القولين، فلو قال: له علي عشرة إلا عشرة لزمته العشرة كلها.

وهذا الشرط فيما إذا كان الاستثناء من عدد، أما إن كان من صفة فيصح، وإن خرج الكل أو الأكثر، مثاله: قوله تعالى لإبليس: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:42] وأتباع إبليس من بني آدم أكثر من النصف، ولو قلت: أعط من في البيت إلا الأغنياء، فتبين أن جميع من في البيت أغنياء صح الاستثناء، ولم يعطوا شيئاً.

 

ثانياً: من المخصص المتصل: الشرط، وهو لغة: العلامة.

والمراد به هنا: تعليق شيء بشيء وجوداً، أو عدماً بإن الشرطية أو إحدى أخواتها.

والشرط مخصص سواء تقدم أم تأخر.

مثال المتقدم قوله تعالى في المشركين: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُم} [التوبة: من الآية 5]

ومثال المتأخر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرا} [النور: من الآية 33].

 

ثالثاً: الصفة وهي: ما أشعر بمعنى يختص به بعض أفراد العام من نعت أو بدل أو حال.

مثال النعت: قوله تعالى: {فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: من الآية 25]

ومثال البدل: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: من الآية 97]

ومثال الحال: قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء: من الآية 93]

 

المخصص المنفصل:

المخصص المنفصل: ما يستقل بنفسه وهو ثلاثة أشياء: الحس والعقل والشرع.

مثال التخصيص بالحس: قوله تعالى عن ريح عاد: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [لاحقاف: من الآية 25] فإن الحس دل على أنها لم تدمر السماء والأرض.

ومثال التخصيص بالعقل: قوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [احقاف: من الآية 33] فإن العقل دل على أن ذاته تعالى غير مخلوقة.

ومن العلماء من يرى أن ما خص بالحس والعقل ليس من العام المخصوص، وإنما هو من العام الذي أريد به الخصوص، إذ المخصوص لم يكن مراداً عند المتكلم، ولا المخاطب من أول الأمر، وهذه حقيقة العام الذي أريد به الخصوص.

وأما التخصيص بالشرع، فإن الكتاب والسنة يخصص كل منهما بمثلهما، وبالإجماع والقياس.

مثال تخصيص الكتاب بالكتاب: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [لبقرة: من الآية 228].

خص بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: من الآية 49].

ومثال تخصيص الكتاب بالسنة: آيات المواريث؛ كقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن} [النساء: من الآية 11] ونحوها خص بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» (1)

ومثال تخصيص الكتاب بالإجماع: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: من الآية 4] خص بالإجماع على أن الرقيق القاذف يجلد أربعين، هكذا مثل كثير من الأصوليين، وفيه نظر لثبوت الخلاف في ذلك، ولم أجد له مثالاً سليماً.

ومثال تخصيص الكتاب بالقياس: قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة} [النور: من الآية 2]

خص بقياس العبد الزاني على الأمة في تنصيف العذاب؛ والاقتصار على خمسين جلدة، على المشهور.

ومثال تخصيص السنة بالكتاب: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ...»، الحديث (2). خص بقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:29]

ومثال تخصيص السنة بالسنة: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فيما سقت السماء العشر» (1) خص بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» (2).

ولم أجد مثالاً لتخصيص السنة بالإجماع.

ومثال تخصيص السنة بالقياس: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «البكر بالبكر جلد مئة وتغريب عام» (3)، خص بقياس العبد على الأمة في تنصيف العذاب، والاقتصار على خمسين جلدة، على المشهور.

 

 

 

 

 

المحاضرة الثالثة

الظَّاهِر والمؤَوَّل

تعريف الظاهر:

الظاهر لغة: الواضح والبين.

واصطلاحاً: ما دل بنفسه على معنى راجح مع احتمال غيره. مثاله قوله صلّى الله عليه وسلّم: «توضؤوا من لحوم الإبل» (1)، فإن الظاهر من المراد بالوضوء غسل الأعضاء الأربعة على الصفة الشرعية دون الوضوء الذي هو النظافة.

فخرج بقولنا: «ما دل بنفسه على معنى»؛ المجمل لأنه لا يدل على المعنى بنفسه.

وخرج بقولنا: «راجح»؛ المؤول لأنه يدل على معنى مرجوح لولا القرينة.

وخرج بقولنا: «مع احتمال غيره»؛ النص الصريح؛ لأنه لا يحتمل إلا معنًى واحداً.

 

العمل بالظاهر:

العمل بالظاهر واجب إلا بدليل يصرفه عن ظاهره؛ لأن هذه

طريقة السلف، ولأنه أحوط وأبرأ للذمة، وأقوى في التعبد والانقياد.

 

تعريف المؤول:

المؤول لغة: من الأَوَل وهو الرجوع.

واصطلاحاً: ما حمل لفظه على المعنى المرجوح.

فخرج بقولنا: «على المعنى المرجوح»؛ النص والظاهر.

أما النص، فلأنه لا يحتمل إلا معنى واحداً، وأما الظاهر فلأنه محمول على المعنى الراجح.

 

والتأويل قسمان: صحيح مقبول، وفاسد مردود.

1 - فالصحيح: ما دل عليه دليل صحيح؛ كتأويل قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} إلى معنى: واسأل أهل القرية، لأن القرية نفسها لا يمكن توجيه السؤال إليها.

2 - والفاسد: ما ليس عليه دليل صحيح؛ كتأويل المعطلة قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] إلى معنى استولى، والصواب أن معناه العلو والاستقرار من غير تكييف ولا تمثيل.

تنبيه: ضرورة تحضير مسائل هذه المحاضرة من كتاب:

·       شرح الأصول من علم الأصول

·       روضة الناظر

·       مفتاح الوصول

المُجْمَلُ والمبَيَّن

تعريف المجمل:

المجمل لغة: المبهم والمجموع.

واصطلاحاً: ما يتوقف فهم المراد منه على غيره، إما في تعيينه أو بيان صفته أو مقداره.

مثال ما يحتاج إلى غيره في تعيينه: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: من الآية 228]. فإن القرء لفظ مشترك بين الحيض والطهر، فيحتاج في تعيين أحدهما إلى دليل.

ومثال ما يحتاج إلى غيره في بيان صفته: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاة} [البقرة: من الآية 43]، فإن كيفية إقامة الصلاة مجهولة تحتاج إلى بيان.

ومثال ما يحتاج إلى غيره في بيان مقداره: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاة} [البقرة: من الآية 43]، فإن مقدار الزكاة الواجبة مجهول يحتاج إلى بيان.

 

تعريف المبيَّن:

المبيَّن لغة: المظهر والموضح.

واصطلاحاً: ما يفهم المراد منه، إما بأصل الوضع أو بعد التبيين.

مثال ما يفهم المراد منه بأصل الوضع: لفظ سماء، أرض،جبل، عدل، ظلم، صدق، فهذه الكلمات ونحوها مفهومة بأصل الوضع، ولا تحتاج إلى غيرها في بيان معناها.

ومثال ما يفهم المراد منه بعد التبيين قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: من الآية 43]، فإن الإقامة والإيتاء كل منهما مجمل، ولكن الشارع بيَّنهما، فصار لفظهما بيِّناً بعد التبيين.

 

العمل بالمجمل:

يجب على المكلف عقد العزم على العمل بالمجمل متى حصل بيانه.

والنبي صلّى الله عليه وسلّم قد بيَّن لأمته جميع شريعته أصولها وفروعها، حتى ترك الأمة على شريعة بيضاء نقية ليلها كنهارها، ولم يترك البيان عند الحاجة إليه أبداً.

وبيانه صلّى الله عليه وسلّم إما بالقول، أو بالفعل، أو بالقول والفعل جميعاً.

مثال بيانه بالقول: إخباره عن أنصبة الزكاة ومقاديرها كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فيما سقت السماء العشر»؛ بياناً لمجمل قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: من الآية 43].

ومثال بيانه بالفعل: قيامه بأفعال المناسك أمام الأمة بياناً لمجمل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْت} [آل عمران: من الآية 97].

وكذلك صلاته الكسوف على صفتها، هي في الواقع بيان لمجمل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا» (1).

ومثال بيانه بالقول والفعل: بيانه كيفية الصلاة، فإنه كان بالقول كما في حديث المسيء في صلاته حيث قال صلّى الله عليه وسلّم: «إذا قمت إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر ...»، الحديث (2).

وكان بالفعل أيضاً، كما في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قام على المنبر فكبر، وكبر الناس وراءه وهو على المنبر ... ، الحديث، وفيه: ثم أقبل على الناس وقال: «إنما فعلت هذا؛ لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي» (3).

 

 

 تنبيه: ضرورة تحضير مسائل هذه المحاضرة من كتاب شرح الأصول من علم الأصول
بالتوفيق

المحاضرة الأولى

مدخل إلى دلالات الألفاظ

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول وآله وصحبه، وبعد:

كثيرة هي المفاهيم الأصولية التي تطرَّق إليها الأصوليون في مباحثهم، وشملوها بالدراسة والدقة والنظر، وكلها تنحو منحى واحدًا، وهو سَبْر أغوار معاني الدلالات وسياقاتها، وبالتالي استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم، وسنة المصطفى الأمين.

 و"دلالات الألفاظهي من بين هذه المباحث المهمة التي اعتنى بها هؤلاء العلماء، ورسموا لها خريطة واضحة في التعاطي معها، فقد عُرِّفت بكونها: "قواعد أصولية لغوية ترسم منهج الاجتهاد في استثمار كافة طاقات النص في الدلالة على المعنى"[1].

 ومعروف أن ديننا الحنيف ترك هامشَ الاجتهاد لأهل الذكر فيما يستجد من أمورٍ في حياة المسلمين؛ حيث قال سبحانه: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7]، فالمجتهد ينطلق من النص وما يكتنفه من المعاني والمقاصد والدلالات؛ ليصل إلى أجوبة وفتاوى لِما يُطرَح في واقعنا المتغير.

وارتباطًا مع هذا الباب نجد أن المدارس الأصولية منقسمة إلى قسمين:

1- مدرسة الشافعية والمالكية والحنابلة التي تُعنى بتخريج الفروع على الأصول.

2- مدرسة الأحناف: المرتكزة على تخريج الأصول على الفروع"[2].

فلكل واحدة منهما نهجٌ واختلاف في كثير من المباحث؛ كالذي نحن في صدد دراسته؛ أي: مبحث الدلالات، وهو أمر محمود مكَّن من إغناء المكتبة الفقهية، وبعث الروح في النص، وجعله يتجدَّد ويتجسد انطلاقًا من الواقع المعيش، والنوازل المتكررة في كل عصر من العصور الإسلامية.

 فقد كانت الحاجة أكثر للعناية بهذا المبحث بعد مرور فترة النبوة، وتداول الكثير من الألفاظ الأعجمية في اللغة العربية، وهو ما حدا بعلماء الأصول على اختلاف مدارسهم إلى تكريس عناية فائقة باللفظ ومعانيه وسياقاته، وهو من أهم المباحث في هذا العلم الجليل، علم أصول الفقه.

فاهتم هؤلاء الأصوليون بعناصر السياق ودلالة اللفظ فيما قبل الكلام وما بعده، كما تطرَّقوا "لاعتبار لغة العرب، واعتبار مراد المتكلم في النصوص الشرعية، وهو الله - سبحانه وتعالى - ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، واعتبار حال المخاطب"[3].

 

كما قسَّم الأصوليون اللفظ "باعتبار الأفراد الذين تشملهم دلالته إلى: عام، وخاص، ومشترك؛ لأن اللفظ من حيث هو: إما أن يوضَعَ لمدلول واحد، أو لأفراد كثيرين محصورين وضعًا واحدًا، وهو الخاص، أو يوضع وضعًا واحدًا لمدلول كثيرٍ متعدِّدٍ غيرِ محصور، مستغرق لجميع ما يصلح له، وهو العام، أو يوضع لأكثر من معنى وضعًا واحدًا يحتمل كلًّا منها على سبيل البدل، وهو المشترك"[4].

 

واهتموا بفرز دلالة الألفاظ من جهة اعتبار الاستدلال وعدمه، فقد اعتبروا الاستدلال بالنص والظاهر، ولم يعتبروا المجمل والمُؤول.

 

كما حقَّقوا كيف يمكن للألفاظ أن تكتسي مدلولًا حقيقيًّا أو مجازيًّا عند الاستعمال؛ إذ يُمكن للمتكلم النطق باللفظ في السياق المعروف فيه، فيكون حقيقيًّا، أو إن أراده في غير موضعه، فهو يصير مجازيًّا.

 

وعمومًا فهذا المبحث شاسعٌ، وأسهب فيه كثيرٌ من العلماء الأصوليين المتقدمين منهم والمتأخرين، ولا مَحيدَ للعالم الأصولي عنه؛ لأنه يُركز على طبقات المعاني، ويُمكن ضبطه من الفَهم الدقيق للنص ولفظه، واستنباط الحكم الشرعي كما يجب في سياقه.

 

وسيأتي معنا إن شاء الله تعالى شرح كلِّ دلالة على حِدَةٍ، وبيانها بأسلوب ميسر ومفصَّل، نراعي فيه أشهر المدارس الأصولية التي تفرَّعت عنها المذاهب الفقهية، ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد، والحمد لله رب العالمين.



:الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله على النبي الأمين ومن سار على نهجه الى يوم الدين وبعد

مقياس الاتجاهات الفقهية عند المحدثين يكشف اللثام  عن المدارس الفقهية ومناهجهم في الاستنباط ، كما تجيب عن تساؤالات مختلفة، تتعلق بوظيفة أهل الحديث، كما تكشف زيف فكرة أن  المحدثين ليسوا بفقهاء، وتجلي مناهج أهل الحديث، تبين معالمه، علاقتهم بالرأي وأهله، وترسم مسالك التفقه عندهم 

ان المقصد الأصيل من خلال هذا المقياس هو الاطلاع على علوم المحدثين وفقههم الاستنباطي وبناءهم الاجتهادي الجامع بين الأثر والنظر، وجهودهم في التأليف اذ علم الحديث يقوم على علمين شرفين علم الرواية وعلم الدراية[فقه الحديث]، وفقه الحديث غير مقتصر على قسم من أقسام الشرع [الأحكام العملية] بل يتعداه ويلامس أبواب العقائد والتزكية وغيرهما 

  

تعتبر المقاصد روح الشريعة وقلبها النابض، وكلما تبحر الناظر في معاني نصوصها، وساح في بحرها، تمكن من معرفة مقصود الشارع من أمره ونهيه، فيقدم القاصد او يحجم، ويأجر أو يؤثم بقدر فهمه لروح التشريع، وينبو أو ينزل بمقدار استصحابه لمعاني النصوص تأصيلا وتنزيلا، تقعيدا وتفريعا. 

من هنا جاء هذا المقياس ليكشف الفهم الصحيح لسلوك المسار النبوي لانتزاع دقائق العلوم بفهوم الأوائل المشهود لهم بالخيرية مع استصحاب قواعد الفضلاء.

يجمع المقياس الموجه لطلبة ماستر علوم الحديث ثلاثة محاور:

 كل واحد منهم يندرج تحته مباحث:

 فالأول والثاني جمعا فيه الجانب النظري، والثالث قسم تطبيقي يلامس فيه الطالب النصوص النبوية مباشرة، ولنجاح فرش المقياس بنجاح كان لزاما وضع خريطة ذهنية تجمع شتات فروع هذه المحاور. 

الفئة المستهدفة:

هذه المحاضرات تستهدف طلبة ماستر1 علوم الحديث

الأهداف العامة:

بيان أن الشريعة الاسلامية معللة.

وقوف الطالب على مفهوم المقاصد وأقسامها باعتباراتها المختلفة، ومناهج العلماء في تسطيرها.

تمكين الطالب من معرفة الضوابط الشرعية التي تساعده على استنباط المقاصد دون غلط، وترتيب المصالح وفق قواعد مضبوطة من جهة أخرى حال التعارض.

 

decorati