Options d’inscription

محاضرة 3

أبعاد التدين

التمييز بين الدين والتدين: بداية يجب التمييز بين الدين كوضع الهي، والتدين ككسب بشرى ، والمقصود بالدين أصوله الثابتة، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ،أما التدين فهو معرفه والتزام بشرى بهذه الأصول، بالاضافه إلى الفروع الظنية الورود والدلالة، يقول الدكتور عبد المجيد النجار (إن حقيقة الدين تختلف عن حقيقة التدين ؛ إذ الدين هو ذات التعاليم التي هي شرع إلهي، والتدين هو التشرع بتلك التعاليم ، فهو كسب إنساني.

وهذا الفارق في الحقيقة بينهما يفضي إلى فارق في الخصائص، واختلاف في الأحكام بالنسبة لكل منهما).
فطريه التدين: والتدين في المفهوم الاسلامى هو فطره في الإنسان يقول تعالى: (فطرة الله التي فطر الناس عليها ولا تبديل لخلق الله) (الروم : 30)،ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم  (كل مولود يولد على الفطرة)،والمقصود بكونه فطره  انه إمكانية، لابد لها من ضوابط لتنتقل من الامكانيه إلى التحقق بدون انحراف ، يقول ابن تيمية: (ومعلوم أن كل مولود يولد على الفطرة ليس المراد به أنه يوم ولدته أمه يكون عارفاً بالله موحداً بحيث يعقل فان ذلك الله يقول (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) ( ابن تيمية مجموع الفتاوى، ج4، ص 447


التدين بين الإيجاب والسلب: وإذا كان الدين كوضع الهي يتصف بالوحدة (على مستوى أصوله)، فان التدين ككسب بشرى يتصف بالتعدد ، حيث يمكن التمييز بين نمطين أساسيين للتدين احدهما ايجابي والأخر سلبي،والأخير(اى التدين السلبي) ليس مرجعه الإسلام كدين ، بل هو محصله عوامل نفسيه واجتماعيه وتربويه وسياسيه واقتصاديه وثقافيه...متفاعلة، مرتبطة بالشروط الذاتية (كشيوع التقليد وظهور البدع..) والموضوعية ( كالاستبداد و الاستعمار...) لتخلف النمو الحضاري للمجتمعات المسلمة، هذا التمييز يشمل الأبعاد المتعددة للتدين.

البعد الديني: فالتدين الايجابي هو التدين المحدود تكليفيا  بالقيم والقواعد التي جاء بها الوحي، والتي تحدد التدين ككسب انسانى. وتكليفيا بالسنن الإلهية الكلية والنوعية التي تضبط حركه الإنسان. فعلاقة الدين بالتدين الايجابي هي علاقة تحديد وتكامل، اى ان الدين يحدده كما يحدد الكل الجزء فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه


أما التدين السلبي فهو التدين المطلق ، اى القائم بذاته والمستقل تكليفيا  عن القيم والقواعد التي جاء بها الوحي، والتي تحدد التدين ككسب انسانى، وتكوينيا عن السنن الإلهية الكلية والنوعية التي تضبط حركه الإنسان ، فعلاقة الدين بالتدين السلبي هي علاقة إلغاء و تناقض.


البعدين الروحي والمادي: ويقوم التدين الايجابي على أساس ان البعد الروحي للوجود الانسانى ، ومضمونه التطور أو الترقي الروحي للإنسان ، لا يلغى البعد المادي له ، بل يحدده كما يحدد الكل الجزء فيكمله وبغنية. فهو يتحقق عندما تأخذ حركه الإنسان  شكل فعل غائي ( ذو ثلاث خطوات :المشكلة، الحل، العمل)  محدود (تكوينيا وتكليفيا) بالفعل المطلق (الربوبية) والغاية المطلقة  (الإلوهية) ،أي كدح إلى الله بالتعبير القرآني: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه(


أما التدين السلبي فهو يقوم على تأكيد البعد الروحي للوجود الانسانى، لكنه يطرف في التأكيد لدرجه إلغاء البعد المادي للإنسان ،فيجعل العلاقة بينهما علاقة تناقض وإلغاء.


البعدين الذاتي والموضوعي: كما يقوم التدين الايجابي على أساس ان البعد الذاتي للوجود الانسانى، اى النيات والمقاصد، ، لا يلغى البعد الموضوعي له ،اى السلوك، ،فالعلاقة بينهما هي علاقة تأثير متبادل اتساقا مع جدل المعرفة من الموضوعي (المشكلة التي يطرحها الواقع) إلى الذاتي (الحل الذهني) إلى موضوعي مره أخرى من اجل تغييره (تنفيذ الحل في الواقع بالعمل(

أما التدين السلبي فيقوم إما على التطرف في التأكيد على البعد الذاتي للوجود الانسانى(النية)،لدرجه إلغاء بعده الموضوعي(السلوك)،  ومثال له التفسير الخاطئ للحديث (إنما الأعمال بالنيات)باعتباره يفيد ان النية وحدها تكفى كمعيار للتقييم دون العمل،يقول ابن تيميه) لا إيمان إلا بعمل ولا عمل إلا بعقد ومَثَلُ ذلك مَثَلُ العمل الظاهر والباطن أحدهما مرتبط بصاحبه من أعمال القلوب وعمل الجوارح ومثله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنما الأعمال بالنيات } أي لا عمل إلا بعقد وقصد، لأن { إنما } تحقيق للشيء ونفي لما سواه ، فأثبت بذلك عمل الجوارح من المعاملات وعمل القلوب من النيات ، فمثل العمل من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان لا يصح الكلام إلا بهما لأن الشفتين تجمع الحروف واللسان يظهر الكلام وفى سقوط أحدهما بطلان الكلام وكذلك فى سقوط العمل ذهاب الإيمان.

 (مجموع الفتاوى 7 / 334)

او يقوم على التطرف في  التأكيد على البعد الموضوعي للوجود الانسانى(السلوك)، لدرجه إلغاء بعده  الذاتي (النية) ومثاله التدين الشكلي او المظهري.



البعد المنهجي:كما يقوم التدين الايجابي على الوسطية والاعتدال والقوامة في التدين، ورفض الوقوف إلي أحد النقيضين: الغلو في الدين او الجفاء عنه يقول تعالى:"وكذلك جعلناكم أمة وسطاً". "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكانوا بين ذلك قواماً"..


أما التدين السلبي فيقوم إما على الغلو في الدين او الجفاء عنه، و كلاهما يلتقيان في المحصلة(عدم الالتزام بضوابط الدين سواء بتجاوزها او التقصير في الالتزام بها )، يقول ابن القيم ( ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين الجبلين، والهدى بين الضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين)

( مدارج السالكين: 2/496(

البعدين الايمانى والعملي: كما يقوم التدين الايجابي على أساس ان العلاقة بين  الإيمان والعمل، هي علاقة وحدة ( لا خلط كما عند الخوارج)، وتمييز (لا فصل كما عند المرجئة). يقول ابن القيم الفوائد ص 117 (الإيمان له ظاهر وباطن، وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح وباطنه تصديق القلب وانقياده ومحبته فلا ينفع ظاهر لا باطن له وان حقن به الدماء وعصم به المال والذرية. ولا يجزىء باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك فتخلف العمل ظاهرا مع عدم المانع دليل علي فساد الباطن وخلوه من الإيمان ونقصه دليل نقصه.(


أما التدين السلبي فيقوم إما على التطرف في التوحيد بين الإيمان والعمل( كما عند الخوارج)،او التطرف في الفصل بين الإيمان والعمل(كما عند المرجئة)، يقول ابن تيميه ( الثالث : ظنهم- اى المرجئة - أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون شيء من الأعمال ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه بمنزلة السبب مع المسبب ولا يجعلونها لازمة له ; والتحقيق أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر ; ولهذا صاروا يقدرون مسائل يمتنع وقوعها لعدم تحقق الارتباط الذي بين البدن والقلب مثل أن يقولوا : رجل في قلبه من الإيمان مثل ما في قلب أبي بكر وعمر وهو لا يسجد لله سجدة ولا يصوم رمضان ...) (الفتاوى ، ج 7، ص 204(.


الأبعاد السلوكية والوجدانية والمعرفية:ويقوم التدين الايجابي على أساس شمول التدين لأبعاد الإنسان المتعددة (السلوكية والمعرفية والوجدانية)، بينما التدين السلبي يكون مقصورا على احد هذه الأبعاد و قاصر عن باقي الأبعاد ، فيستغني به عنها

Auto-inscription (Etudiants)
Auto-inscription (Etudiants)