Options d’inscription

المعقود عليه

 

بعد ركني الصيغة والعاقد، يأتي الحديث عن الركن الثالث والأخير، وهو المعقود عليه، أي ما وقع عليه التعاقد، وظهرت فيه أحكامه وآثاره.

قد يكون هذا المعقود عليه عيناً كالمبيع والمرهون والموهوب، وقد يكون منفعة كالإجارة والكراء؛ وشروطه نوعان : شرعية، وجعلية.

الشروط الشرعية :

جاءت أحاديث تنهى عن بيع أعيان وما فيه جهالة ونحو ذلك، ومنها استنبط الفقهاء الشروط الواجب توفرها في المعقود عليه، وهي :

1 - الوجود لقول النبي صلى الله عليـه وسلم لحكيم بن حزام : « لا تبع ما ليس عندك »[1]، فلا يصح التعاقد على معدوم كالثمر والزرع قبل الظهور؛ ولا على ما له خطر العدم، كالحمل واللبن في الضرع، ولا على ما يستحيل مستقبلاً، كالتعاقد مع طبيب على علاج مريض توفي، أو مع عامل على حصاد زرع احترق، وغير ذلك.

ويستثنى من المعدوم، عقود السلم[2] والإجارة لإقرار الشرع لهما، والاستصناع[3] للإجماع عليه، ونحوها مما يراعى فيها حاجة الناس إليها.

واكتفى المالكية باشتراط الوجود في المعاوضات دون التبرعات، كالهبة والوقف ما دام يتوقع وجوده مستقبلاً.

وأما الحنابلة فاكتفوا بمنع ما نهى عنه الشرع، وأجازوا سواه إذا كان محقق الوجود في المستقبل عادة، كبيع الدار على الخريطة.

2 - الانتفاع به شرعاً، فلا يصح العقد على مهمل كحفنة تراب، ولا ما منفعته محرمة كالخمر والخنزير وذبيحة الوثني والمرتد، واختلف في بيع الكلاب للصيد والغنم.

3 - القدرة على التسليم، فلا يصح بيع السمك في الماء، ولا الطير في الهواء، ولا سيارة مفقودة، ولا كراؤها ولا رهنها، ولا مغصوب ونحو ذلك.

4 - العلم به لقول أبي هريرة : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلـم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر"[4]؛ ويتحقق العلم بالإشارة إليه؛ أو برؤيته كله أو بعضه إن تماثلت أجزاؤه؛ أو بالوصف المانع للجهالة الفاحشة، ببيان جنس ونوعه ومقداره.

5 - الطهارة، فلا يصح بيع النجس كالميتة والدم، ولم يشترطه الحنفية إلا ما ورد النهي عن بيعه كقوله صلى الله عليـه وسلم : « إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام »[5]؛ فأجازوا بيع النجاسات كشعر الخنزير وجلد الميتة للانتفاع بها، والمتنجس الذي يمكن الانتفاع به في غير الأكل؛ والضابط عندهم : أن كل ما فيه منفعة تحل شرعاً، فبيعه يجوز.

الشروط الجعلية :

          هي ما يشترطه أحد العاقدين على الآخر.

          والشروط الجعلية يبطل بها العقد عند الظاهرية إلا ما أقره الشرع، وأجازها غيرهم مع توسع الحنفية في التقييد والحنابلة في الإطلاق، وبينهما المالكية والشافعية.

          المذهب الأول يقيد الاشتراط، وهو للحنفية - وقريب منه مذهب الشافعية - وفيه أن الشروط ثلاثة أنواع : صحيحة، وفاسدة، وباطلة.

          أ/ الشرط الصحيح : هو ما وافق مقتضى العقد، أو أكده، أو جاء به الشرع، أو جرى به العرف.

          فمثال ما يقتضيه العقد، اشتراط البائع حبس المبيع حتى أداء جميع الثمن.

          ومثال ما يؤكد مقتضى العقد، اشتراط البائع تقديم كفيل أو رهن توثقاً بالثمن.

          ومثال ما جاء به الشرع، خيار الرؤية[6] في بيع الغائب والمغيب في الأرض كاللفت والجزر والبصل.

          ومثال ما جرى به العرف، نقل المبيع أو اشتراط إصلاحه مدة معينة، مثلما هو اليوم نقل الأثاث داخل المدينة، وضمان خدمات ما بعد البيع للهاتف والغسالة والثلاجة وغيرها، مدة سنة أو أكثر.

          ب/ الشرط الفاسد : هو ما خالف ما سبق، كشراء قماش على أن يخيطه البائع دون مقابل، أو ترك البضاعة عنده شهراً، أو أن يقرضه أو أن يهب له، فهذه الشروط تفسد عقود المعاوضات المالية لمنافاتها مبدأ التوازن.

          ج/ الشرط الباطل : هو ما كان فيه ضرر لأحد العاقدين، كاشتراط البائع على المشتري ألا يبيع البضاعة أو يهبها، أو ألا يُركب فلاناً فيها، أو يضعها في مكان خاص؛ فيلغى الشرط ويصح العقد.

          المذهب الثاني يتوسع في الاشتراط، وهو للحنابلة - خصوصاً ابن تيمية وابن القيم - وبعض المالكية، فرأوا أن الأصل في الشروط الإباحة حتى يقوم دليل المنع، لأنها من العادات التي تراعى فيها مصالح الناس، فيصح كل شرط فيه منفعة أو مصلحة لأحد العاقدين، كاشتراط صفة معينة في المبيع، وسكنى الدار مدة معينة بعد بيعها.

          هذه الشروط مكروهة عند المالكية وغير لازمة، خلافاً للحنابلة في وجوب الوفاء بها، وإلا جاز للعاقد الآخر فسخ العقد.

          لم يستثن الحنابلة من الشروط إلا ما ينافي مقتضى العقد، أو ورد النهي عنه.

          ومثال الأول اشتراط البائع على المشتري ألا يبيع الشيء مطلقاً، أو ألا يسكن فيه أحداً، فالعقد صحيح والشرط لاغ، لحديث عائشة أنها " أرادت أن تشتري جارية تعتقها، فقال أهلها : نبيعكها على أن ولاءها لنا، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : « لا يمنعك ذلك، فإنما الولاء لمن أعتق »[7]، فأجاز الشراء وألغى الشرط.

          ومثال الثاني اجتماع صفقتين في عقد واحد كقول أبي هريرة : « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة »[8]، نحو لزوم العقد أولاً، ثم خيار شراء سلعة بثمن حالاً، أو أخرى موصوفة بثمن مؤجل؛ أو شراء هذا شرط بيع الآخر؛ فالعقدان فاسدان.

الفروق بين الشروط الشرعية و الشروط الجعلية :

          تفترق الشروط الشرعية عن الشروط الجعلية من وجوه منها :

الشروط الشرعية

الشروط الجعلية

من وضع الشارع

من وضع العاقدين أو أحدهما

لا بد من توفرها قبل العقد

تقترن بالعقد غالباً

يصح بها العقد

منها المعتبر، ومنها الملغى، ومنها المفسد للعقد

لا يملك أحد التنازل عنها

يمكن التنازل عنها

محددة

غير محددة، وإنما العاقد قد يقل منها أو يكثر

 

 



[1] : رواه النسائي (4613) وأبوداود (3503) والترمذي (1232) وابن ماجه (2187) وصححه شعيب الأرناؤوط والألباني

[2] : تسبيق الثمن وتأخير المثمن، كالزراع مع التجار في بيعهم محاصيلهم، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلـم المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث، فقال : « من أسلف في شيء، ففي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم » رواه البخاري (2240) ومسلم (1604)

[3] : هو الاتفاق مع الصانع بأن يصنع شيئاً بخامات من عنده نظير عوض معين، كما هو الشأن مع الخياط والنجار وغيرهما

[4] : رواه مسلم (1513) وغيره

[5] : رواه البخاري (2236) ومسلم (1581) عن جابر

[6] : هو أن يصف البائع المبيع للمشتري، فإذا وجده مخالفًا للصفة الّتي وقع عليها العقد لم يلزمه

[7] : رواه مالك (2266) ومن طريقه البخاري (2169) ومسلم (1504)

[8] : رواه النسائي (4632) والترمذي (1231) ومالك بلاغاً (1935) وصححه الألباني

Auto-inscription (Etudiants)
Auto-inscription (Etudiants)