الوصايا والمواريث/ الحقوق المتعلقة بالتركة
Options d’inscription
ما يتعلق بمال الميت من الحقوق:
أجمع فقهاء الحنفية والشافعية والمالكية على أنه يتعلق بما يخلفه الميت من الميراث خمسة حقوق بعضها مقدَّم على بعض, بحيث لو استغرق أولها أو ما بعده كل ما خلفه لم ينتقل عنه إلى غيره:
1- كل حق عليه لغيره إذا كان هذا الحق متعلقا بعين من أعيان المال, ولذلك أمثلة كثيرة منها: الأعيان المرهونة من ماله، فإن حق المرتهن فيها مقدم على كل شيء.
ومنها المبيع الذي اشتراه, ولم يقبضه ولم يؤد ثمنه, فإن حق البائع في هذا المبيع مقدم على كل ما سواه، ومنها الأعيان التي أجرها وقبض أجرتها في حياته ومات قبل انتهاء مدة إجارتها, فإن المستأجر أحق بهذه الأعيان حتى يستوفي ما أعطى من الأجرة, وإنما كانت هذه مقدمة على كل شيء حتى تجهيزه وتكفينه؛ لأنها متعلقة بعين المال من قبل أن يصير تركة.
2- تجهيزه وتكفينه وما يحتاج إليه في دفنه بالقدر المعروف من غير تقتير ولا إسراف ولا تبذير؛ لأن التكفين لباس الميت بعد وفاته فيعتبر بلباسه حال حياته, وهو أقوى من الدين ومقدم على جميع الحقوق سوى حق تعلق بعين من أعيان التركة كما هو مبين أعلاه. وقد اختلف العلماء في المقياس الذي يعرف به الإسراف والتقتير، فمنهم من قال: يعتبر بعدد ما يكفن فيه من الثياب، فتكفين الرجل في أكثر من ثلاثة أثواب إسراف وفي أقل من الثلاثة تقتير، وتكفين المرأة في أكثر من خمسة أثواب إسراف وفي أقل من الخمسة تقتير.
3- قضاء جميع ديونه, فيقدم ديون الصحة ثم ديون المرض الثابتة بإقرار المريض مرض الموت.
أما إذا كان الدين لله تعالى -جل ثناؤه- كالزكاة والكفارات ونحوها فإنها تسقط بالموت, ولا يلزم الورثة أداؤها؛ لأن حق الله تعالى مبني على المسامحة, وإذا أوصى في حال حياته وجب تنفيذها من ثلث ماله.
وإنما قدم قضاء ديونه على تنفيذ وصاياه مع أن الوصية مذكورة قبل الدين في آية المواريث, وهي قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ابدءوا بما بدأ الله به"
لسببين:
الأول: أنه قد ورد النص على تقديم الدين على الوصية في حديث مروي عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدأ بالدين قبل الوصية
والثاني: أن الدين فرض يجبر المدين عليه، ويحبس من أجله، والوصية تبرع ولا شك أن التطوع متأخر في رتبته عن الفرض.
4- تنفيذ وصاياه التي استوفت شروطها الشرعية من ثلث ماله, وعلى شرط أن تكون لغير وارث لما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لا تجوز وصية الوارث إلا أن يشاء الورثة" .
أما إذا كانت إلى وارث؛ توقفت على إجازة الوارثين, وكذلك إذا كانت بأكثر من الثلث. والوصية عقد مندوب إليه مرغوب فيه, ليس بفرض ولا واجب عند جمهور العلماء, فهي من التبرعات المضافة إلى ما بعد الموت. والوصية مأخوذة من وصيّت الشيء إذا وصلته؛ لأن الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه, ووصى وأوصى بمعنى واحد. وإنها شرعت لمصالح العباد بحديث:
"إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم, فضعوه حيث شئتم -وفي رواية- حيث أحببتم".
والمشروع لنا لا يكون فرضا ولا واجبا علينا, بل هو مندوب إليه مرغوب فيه، والوصية من العقود المتوقفة على الإيجاب والقبول فلا تتم إلا بقبول الموصى له صراحة أو دلالة، والقبول والرد إنما يكون بعد موت الموصي، ولا عبرة للقبول والرد قبل موته، فالقبول صراحة هو أن يقبلها الموصى له بعد موت الموصي. وأما القبول دلالة فهو أن يموت الموصي مصرا على وصيته ثم يموت الموصى له قبل القبول أو الرد فيكون موته قبولا للوصية وينتقل المال الموصى به ميراثا لورثة الموصى له.
ولا ينبغي أن يوصي بأكثر من الثلث، والأفضل لمن له ذرية وأولاد صغار التقليل في الوصية، فقد روي عن الصديق والفاروق والمرتضى -رضي الله عنهم: "لأن يوصى بالخمس أحب إلينا من أن يوصى بالربع, ولأن يوصى بالربع أحب إلينا من أن يوصى بالثلث". ولما روي في الصحيحين أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- قال: "جاءني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعودني في عام حجة الوداع من وجع اشتد بي, فقلت: يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة, أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: "لا" قلت: فالشطر؟ قال: "لا" قلت: فالثلث؟ قال: "الثلث والثلث كثير, إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس"
5- تقسيم تركته وهي ما يبقى من المال بعد ذلك كله بين ورثته على النظام والترتيب اللذين جاء شرحهما وتفصيلهما في الشرع.
- Enseignant: ali derrar