Options d’inscription

المحاضرة السادسة د صادق الأزمات الاقتصادية والمذهبية خلال العصر الفاطمي أ‌- الأزمات الاقتصادية " مصر هبة النيل " هكذا عبر عنها هيرودوت، وهي تعتبر عبر التاريخ من بين المناطق العالمية الأكثر تطوراً وانتعاشاً اقتصاديا، بسبب ما تتوفر عليه من موارد طبيعية سواء الباطنية والظاهرية، لكن هذا لا يعني بتاتاً أن مصر عاشت الرفاهية والرخاء عبر مختلف العصور التاريخ، فالحياة فيها مرتبطة أساسا بنهر النيل الذي يعتبر شريان الحياة الأساس بها، متى كانت المياه به متوفرة فالحياة تسير بشكل جيد والأمور مابين الحسنة والعادية، وإذا شحت وقصرت فتنقلب الأمور إلى العكس تماماً مما يؤدي إلى ظهور أزمات تكون بدايتها اقتصادية للتحول فيما بعد إلى اجتماعية و سياسية. فموضعنا اليوم هو الأزمات الاقتصادية في مصر في العصر الفاطمي، لنقول كما كانت هذه الأزمات في البداية نعمة عليه فبسببها تمكن جوهر الصقلي من الاستيلاء عليها سنة 358 ه بسهولة عندما عمت المجاعة بسبب غلاء الأسعار وأدى ذلك إلى اشتداد الوباء وتفشي الأمراض مما انجر عنه كثرة الوفيات، ونلاحظ من خلال ما تطرقنا إيه في المحاضرة السابقة أن جوهر قد اهتم بالوضع من خلال الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها والتي لا داعي لتكرارها، فقد نادى في نفس السنة التي استولى فيها عليها برفع البراطيل، ورد أمر الحسبة إلى سليمان بن عزة ، كما ضرب سنة 359ه جماعة من الطحانين، وجمع القماحين وصماصرة الغلال في موضع واحد، ولم يجعل مكان للبيع غير طريق واحدة فقد كان لا يخرج قدح من القمح إلا ويوقف عليه ، كما اهتم بالزراعة التي تعد عصب الاقتصاد المصري، وضاعف من ضريبة الخراج من 3.5 إلى 7 دينار للفدان كما ذكرنا لكي يجبر الفلاحين من زراعة أراضيهم حتى لا يتركوها بوراً فجمع سنة 359ه مابين 3 ملايين و400ألف دينار. كما عرف عهد العزيز أزمة أخرى بسبب توقف النيل عن الارتفاع مابين سنة 372ه و373ه ، وكالعادة ظهرت اضطرابات في الدولة بسبب ارتفاع الأسعار حتى بلغ ثمن حمل القمح أحد عشر ديناراً ، وترتب عن هذا الغلاء وباء أتى على كثير من أفراد المجتمع المصري، لكن العزيز استطاع أن يتدبر الأمر ويسيطر على الأزمة فازدهر الاقتصاد وعاشت البلاد حياة الرخاء في عهده. وعرف عهد الحاكم بأمر عدة أزمات الأولى كانت سنة 395 م قاومها باتخاذ مجموعة من الإجراءات كالإشراف على الحسبة والأسواق والقضاء على احتكار الحبوب، ومصادرة مخازن الغلال وتفريقها على الطحانين لتباع بأسعار محددة. أما الأزمة الثانية فما بين سنة 396 و399 ه بنفس السبب وحصل مثلما حصل في الأزمات السابقة، فاستغاث الناس بالحاكم الذي لم يتهاون في هذه المرة أيضا من اتخاذ مجموعة من التدابير الصارمة التي خففت الضغط عنهم. و لكن الأزمة الثالثة التي كانت 408 ه اختلفت عن سابقتيها مع أن السبب هو نفسه والنتائج نفسها، ولكن هذه المرة العكس بفعل الفيضان وليس القصور، ودامت إلى غاية 410 ه . أزمة الحنطة 414 ه - 415 ه: ولم تكن هذه الأزمات هي الأخيرة بالنسبة للفاطميين ـ فقد ظهرت مرة أخرى في عهد الخليفة الظاهر مابين 414ه و415ه والتي عرفت عند المؤرخين بأزمة الحنطة، اشتد فيها الغلاء وتفشى فيها المرض والوباء في الناس وكثر فيهم الموت، وعز الماء لقصور النيل وشاعت الفوضى بسبب ذلك مما دفع بالظاهر إلى تحسين علاقته مع البيزنطيين لتمويله بالقمح. أزمة الشدة العظمى أو الشدة المستنصرية : عاد منسوب النيل إلى التناقص في السنوات 444ه – 447ه- 457ه- 464ه، فشهدت مصر أسوأ أزمة اقتصادية مرت بها في العصور الوسطى، حيث نزع السعر وتزايد الغلاء وأعقبه الوباء حتى تعطلت الأرض عن الزراعة واستولى الجوع لعدم الأقوات، وقد وصف لنا المقريزي هذه المجاعات وصفاً تفصيليا شاملاً بقوله: " تم وقع في أيام المستنصر بالله الغلاء الذي فحش أمره، وكان أمره سبع سنين وسببه ضعف السلطة واختلال أحوال المملكة واستيلاء الأمراء على الدولة واتصال الفتن بين العربان وقصور النيل وكان ابتداء ذلك في سبع وخمسين وأربعمائة" واستمرت هذه الأزمة مثلما ذكر المقريزي إلى غاية 464ه اشتد فيها الغلاء وزاد الوباء حيث يذكر أيضا:" حتى بيع رغيف الخبز في نداء بزقاق القناديل بالفسطاط ، فبيع طرف بخمسة عشر دينار، وبيع الأردب من القمح ب80 دينار ، وأكلت الكلاب والقطط حتى قلت الكلاب، فبيع كلب ليأكل ب 5 دنانير وتزايد الحال حتى أكل الناس بعضهم بعضا..." وبلغ من الشدة أن المستنصر اضطر إلى بيع كل ما قصره من ذخائر وثياب وأثاث وسلاح حتى صار يجلس في قصره على الحصير بسبب دفع مستحقات ورواتب الجند وتقول مصادر أخرى أن الجند هم من كانوا يدخلون على قصره وينهبون كل تلك الأشياء، حتى ذهب وقاره، بل أن بناته وأمه حاولوا الفرار من مصر إلى بغداد بسبب الجوع وضغط هذه الأزمة التي لم يسلم منها حتى الحاكم لقول المقريزي :" وأفض الأمر أن عدم المستنصر القوت " ما دفع بهذا الأخير إلى الاستنجاد ببدر الجمالي للقضاء على الأزمة الإدارية التي كانت تتخبط فيها الدولة والتي زادت من تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وبفضل الأمن الذي أقره بدر والإصلاحات الشاملة زد إلى ذلك تحسن الظروف الطبيعية تمكن بدر بالخروج بمصر من هذه الأزمة. لم تتوقف الأزمات عند هذه الأخيرة بل عرف زمن الخليفة المستعلي بالله وزمن الخليفة الحافظ والخليفة الفائز نفس السيناريو ولكن بأقل حدة عما جرى في عهد المستنصر بالله ففي عهد المستعلي والفائز 551-554ه بسبب نقص المياه أما في أيام الحافظ فبفعل الفيضان. من خلال ما رأينا في المحاضرة أن مصر في العهد الفاطمي أزمات اقتصادية متعددة أثرت كثيرا على مسار مستقبلهم السياسي في مصر وفي العالم الإسلامي مما أدى إلى إخفاقهم في نهاية المطاف وسقوطهم أمام صلاح الدين الأيوبي.

Auto-inscription (Etudiants)
Auto-inscription (Etudiants)