Options d’inscription

المحاضرة التاسعة

سقوط الدولة الفاطمية

تعد الدولة الفاطمية من الدول الإسلامية القوية التي لعبت دورا ًكبيراً في مسرح الأحداث السياسية في العصر الوسيط، فهذه الدولة انطلقت دعوتها من المشرق واستطاعت من تكوين دولة في المغرب بفضل عصبية كتامة وأن تقف الند للند أمام الخلافة العباسية بل وهددت مركزها في العديد من المرات، وتمكنت من أن تصبح دولة مترامية الأطراف فضمت كل من مصر والشام وبلاد المغرب وصقلية والشاطئ الإفريقي من البحر الأحمر والحجاز بما فيه مكة والمدينة ، واليمن وعمان والبحرين والسند ، ورغم هذا النجاح والتوسع لم يكتب لهذه الدولة أن تعمر طويلاً، وكانت نهايتها على يد صلاح الدين الأيوبي سنة 567ه.

عوامل ضعف واضمحلال الدولة الفاطمية:

1-          تعدد الأجناس التي يتألف منها الجيش الفاطمي: تألف الجيش الفاطمي من المغاربة والأتراك والسودان وترتب عن هذا التباين أن قام نزاع بين مختلف أجناسه وأصبحت شوارع القاهرة مسرحاً لمعاركهم ومرتعاً للفوضى والاضطرابات واختلال ميزان الأمن في طول مصر وعرضها.

2-          الشدة المستنصرية: في النصف الثاني ن القرن الخامس الهجري  حلت بالبلاد أزمة اقتصادية طاحنة ، فانتشرت المجاعات وعم القحط  أنحاء البلاد، وانقطع الغذاء والأقوات عن أسواق القاهرة وتفشى الوباء، وكثر عدد الموتى حتى تكدست جثتهم في الطرق وبسبب ما جرى فيها من كوارث وما ترتب عليها من مصائب ونكبات كانت من أسباب زوال الخلافة وقد استمرت هذه الشدة نحو 07 سنوات ولم تنتهي إلا بعد وصول بدر الجمالي إلى القاهرة وشروعه في إنقاذ البلاد من محنتها.

3-          منازعة أهل السنة للفاطميين: عدم استطاعة الدولة الفاطمية جذب أهل السنة لاسيما في الإسكندرية التي لم يتحول أهلها عن المذهب السني.

4-          تأليه الدروز للحاكم بأمر الله: فقدت الدولة كثيراًن هيبتها في قلوب المصريين بعد أن ادعى الحاكم الألوهية لنفسه واعتبر الناس ذلك إلحاداً و كفراً وخروجا عن الدين فكرهوا الخليفة الحاكم وأبغضوا حكمه ، ومما زاد الناس اشتعالا ظهور طائفة الدروز الذين نادوا بألوهية الحاكم وعلى رأسهم حمزة بن علي الدرزي ومحمد بن اسماعيل الدرزي والواقع أن فكرة تأليه الحاكم  في حد ذاتها كانت كفيلة لوحدها بهدم أركان الدولة الفاطمية لولا أن ست الملك عجلت بقتله ، ولولا أن ابنه الظاهر لإعزاز دين الله قد تولى مهمة تنحية الشبهة عن نفسه ( لهذا الغرض سمى نفسه بالظاهر لإعزاز دين الله أي أنه ظهر ليعز دين الله بعدما قام الحاكم بفعلته تلك وان متبرئ من كل الأفعال التي قام بها والده).

5-          استبداد الوزراء بشؤون الحكم دون الخلفاء: في النصف الثاني من عمر الدولة الفاطمية تولى منصب الخلافة صبيان ضعاف الشخصية وهم: الآمر 05سنوات- الفائز بنصر الله 10 سنوات – العاضد لدين الله 10 سنوات.

وقد استهان الوزراء بالخلفاء واستبدوا بالحكم دونهم وأصبح منصب الوزارة منذ أيام الأفضل شنهشاه محط أطماع القادة وكبار رجال الدولة بسبب هذا قامت  حروب ومعارك في شوارع  القاهرة. ومن بين هؤلاء المستبدين كما ذكرنا الأفضل الذي حكم مصر حوالي 20 سنة إلى أن قتل من قبل مأمون البطائحي سنة 515 ه .

ومن أمثلة التنافس والتصارع على الوزارة :

- الصراع بين بهرام الأرميني   و رضوان بن ولخش في خلافة الحافظ.

- الصراع بين علي بن صلار   و  ابن مصال في خلافة الحافظ.

- الصراع بين أبي الشجاع شاور مع أبي الأشبال درغام أيام العاضد وكان هذا النزاع آخر حلقة من حلقات التنافس بين الوزراء إذ انتهى بسقوط الدولة الفاطمية  وقيام الدولة الأيوبية.

تولى صلاح الدين الوزارة الفاطمية بعد أن توفي عمه أسد الدين شيركوه في 20 جمادى الآخرة 564 ه ، فعمل منذ ذلك الحين على تصفية الدولة الفاطمية والقضاء عليها وانتهج في ذلك خطة محكمة كانت بدايتها بتقوية مركزه باستقدام والده  أيوب وإخوته، وأدخل تغيرات كثيرة على نظام الجيش بتخلصه من القادة المصريين واستبدل عوضهم رجالاً من أنصاره كما ضمن السيطرة على موارد الدولة بتولية والده أمر الخزائن كلها في 25  رجب 565 ه ، وفي أواخر هذه السنة بدأ صلاح الدين في اتخاذ خطوات حاسمة ضد المؤسسة الفاطمية لإضعاف المذهب الشيعي الإسماعيلي وإظهار المذهب السني، فأبطل الآذان الشيعي في الصبح وأمر أن يذكر في خطبة الجمعة الخلفاء الراشدون ، كما قام ببناء عدة مدارس فقهية سنية كانت أولها المدرسة الناصرية لتدريس المذهب الشافعي والمدرسة القمحية للمالكية ، كم أنشأ عدة دور للصوفية بمصر كما أبطل مجالس الدعوة الشيعية في القصر والجامع الأزهر وعزل جميع قضاة  الإسماعيلية وفوض قضاء مصر للقاضي صدر الدين عبد المالك الشافعي، وفي سنة 567 ه  وفي أول جمعة من شهر محرم  أقدم على خطوة حاسمة للقضاء على الخلافة  عندما أسقط الخطبة للفاطميين وأقامها للعباسيين بأمر الخطباء الدعوة للخليفة العباسي المستضيء لنور الله  وأعاد السواد شعار العباسيين ، وبذلك سقطت الخلافة والدولة الفاطمية معاً بعد أن حكمت قرابة القرنيين من الزمن.

-     ردود الفعل على سقوط الدولة الفاطمية:

 

أحدث سقوط الدولة الفاطمية دويا هائلا في العالم الإسلامي السني وزينت بغداد يومها وأغلقت الأسواق وأقيمت الاحتفالات لاستقبال رسول نور الدين محمود وقراءة المنشور  الذي يعلن عن انتهاء الخلافة الفاطمية وأسرع الخليفة المستضيء بإرسال الخلع من الملابس وغيرها لنور الدين محمود وصلاح الدين وكلها سواد شعار العباسيين واحتفلت مصر بوصول خلعة الخليفة العباسي إلى صلاح الدين.

أما المصريون فبقدر ما رحب الكثير منهم بسقوط الخلافة الفاطمية بقدر ما أسف بعضهم لزوالها وحزنوا لوفاة العاضد حزنا وتحسروا بما آل إليه حالهم وفي هذا الصدد يقول ابن ثغري بردي صاحب النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة و هو يعبر عن هذه المشاعر بقوله :" إن نفوس المصريين كادت تزهق بانتهاء دولة الفاطميين ".

والواقع أن الدولة الفاطمية  جعلت من مصر دولة مستقلة تماماً لا يتولاها ولاة لا من دمشق ولا من بغداد وإنما كان يحكمها خلفاء منافسين لخلفاء بني العباس ، وقد اتضح للمصريين أن سقوط الدولة الفاطمية أصبح يعرض استقلال بلادهم للخطر إذ صارت تابعة للخلافة العباسية وعندئذ يتولى حكمها الأتراك الغز وهو أمر لم يكن من السهل على المصريين قبوله بعد أن نعموا بالاستقلال، ومن الملاحظ أن الفاطميون كانوا يعتزون بمصريتهم ويتمثل ذلك في وصف ابن القلنسي بأنه الأسطول المصري ووصف عسكرهم بالعسكر المصري والمصريون.

Auto-inscription (Etudiants)
Auto-inscription (Etudiants)