القسم الثاني:الأوضاع السياسية والاقتصادية والفكرية
:نظام الحكم والأوضاع السياسية في الدولة الرستمية
كان نظام حكم الإمامة القائم على مبدأ الشورى هو السائد في الدولة الرستمية وهو في الحقيقة نظام شبه وراثي لتوالى أبناء وأحفاد المؤسس عبد الرحمن بن رستم على الحكم- عدا آخر إمامين-.
وتميزت الأوضاع السياسية للدولة الرستمية بالنشاط والحيوية والاستقرار والاضطراب في آن واحد؛ واشتهرت هذه الدولة بنظام الشورى المطبق فيها، وبعدالة أئمتها، وصلاحهم وتقواهم وعلمهم، وبازدهارها، وقد كان يعيش تحت ظلها أتباع كل المذاهب الإسلامية، وكانوا يمارسون عبادتهم بكل حرية وأمان، وكانت لهم مساجدهم وبيوتهم الخاصة التي يعيشون فيها مُصانين الحقوق بعدل وإنصاف من غير تفريق بين مذهب ومذهب.
كما تخلل تلك الفترة الآمنة ثورات وحروب وفتن منها: فتنة ابن فندين وابن عرفة؛ وأدى التنافس على الحكم بين أفراد الأسرة الحاكمة وانقسام أتباع المذهب الإباضي إلى سقوط الدولة بسهولة في يد أعدائها.
أئمة الدولة الرستمية: نجح عبد الرحمن بن رستم في توطيد دعائم دولته خلال الفترة التى قدر له أن يحكمها (144-168هـ) وقد خلفه من بعده ابنه عبد الوهاب الذى بقى في حكم الدولة الرستمية عشرين سنة، ثم "أفلح بن عبد الوهاب" الذى حكم أكثر من خمسين عامًا (188-238هـ)، ثم تتابع في حكم الدولة الرستمية خمسة من الأمراء، هم: أبوبكر بن أفلح، وأبو اليقظان، فأبو حاتم، فيعقوب ابن
أفلح، فاليقظان ابن أبى اليقظان آخر أمرائهم.
:الأوضاع الاقتصادية-
الزراعة: تمتاز جغرافية المغرب الأوسط بطبيعة فلاحية لذلك عرفت الدولة الرستمية زراعة متطورة ومزدهرة شملت مختلف أقاليمها التي كانت تكثر فيها البساتين وزراعة الحبوب، والعصفر والكتان والسمسم والنخيل، ومختلف الفواكه، والتين والزيتون، فكانت تدر عليهم أرباحا طائلة، وقد كانت تكثر فيها الأنهار ، وأقام الرستميون خزانات وأحواض للماء كبيرة وكانت محكمة التصميم والهندسة، ليحافظوا على الماء أيام الجفاف، بل إنهم أوصلوا الماء إلى البيوت عن طريق الأنابيب وشق القنوات.
الرعي وتربية الماشية: كانت تربية الماشية في الدولة الرستمية تقوم جنبا إلى جنب مع الزراعة، ولكثرة المراعي الخصبة في الدولة الرستمية كانوا يربون الغنم والبقر والجمال والخيول والبغال والحمير ، وكانت تجارتها رائجة، وتصدر إلى الدول المجاورة، وكانوا يستغلونها في إنتاج الصوف، قال ابن حوقل يصف الماشية في تيهرت وأحوازها: "وهي أحد معادن الدواب والماشية والغنم والبغال والبراذين الفراهية، ويكثر عندهم العسل والسمن".
التجارة: اهتم الرستميون بالتجارة الداخلية والخارجية، فأنشئوا الأسواق في مختلف المدن التي كانت رائجة بشتى أنواع البضائع والمؤن التي تأتي من داخل الدولة الرستمية نفسها أو من الدول الأخرى عن طريق العلاقات التجارية مع الكثير من الدول كالأندلس ومصر وبلاد السودان وغيرها من الدول في المشرق والمغرب، فكانت القوافل التجارية تخرج من الدولة الرستمية محملة بشتى أنواع البضائع والمؤن إلى تلك الدولة، وتعود كذلك محملة بالبضائع التي تنتج في تلك البلاد، وكانت تجارة الذهب وبيع الرقيق رائجة في ذلك الوقت، وللدولة الرستمية نشاط كبير فيها، ووصل نشاط التجار في الدولة الرستمية إلى حد أنه كان يوجد بها التخصص في الأسواق، فكان بها سوق النحاس، وسوق الأسلحة، وسوق الصاغة، وسوق الأقمشة وغيرها من الأسواق.
- الحياة الفكرية في الدولة الرستمية: كان للرستمييين دور بارز في الحياة الفكرية بالمغرب الأوسط خاصة ولا نبالغ إذ قلنا بالمغرب الإسلامي، فقد حملت هذه الدولة مشعلا عظيما للحضارة والعلم في الشمال الإفريقي وقد اهتمت الدولة الرستمية بإنشاء المكتبات العلمية الزاخرة بمختلف فنون العلم والآثار ومن مكتباتها المشهورة مكتبة " المعصومة " التي كانت تحوي آلافا من المجلدات والكتب، أوصلها بعض الباحثين إلى ثلاثمائة ألف مجلد، فكانت تحوي بين رفوفها كتبا في علوم الشريعة من تفسير وحديث وفقه وتوحيد، وكتبا في الطب والرياضيات والهندسة والفلك والتاريخ واللغة وغيرها من العلوم المختلفة، ولم تكن كتبها مقتصرة على مذهب بعينه بل كانت تجمع مؤلفات لمختلف المذاهب الإسلامية، ومن المكتبات المشهور الأخرى " خزانة نفوسة " الجامعة لآلاف الكتب، وكذلك لم تخل منازل العلماء في الدولة الرستمية من وجود المكتبات الخاصة
Vous n’êtes pas autorisé à refaire cette leçon.